جريدة الإتحاد - 1/17/2025 11:49:09 PM - GMT (+4 )
تميل المدارس الفكرية المتطرفة في العالمين العربي والإسلامي إلى توجيه النقد الشديد والاتهامات الجارحة إلى «الدولة- الوطنية» الحديثة، وبنعتها بأنها كيان غير شرعي من «وجهة نظر إسلامية»، ويصفونها بأنها ضالعة في الفساد والقسوة والمجازر والتعذيب، وبأنها نتاج للفكر السياسي العربي وللتجارب الأوروبية غير المسلمة.
ووفقاً للعديد من الشواهد والمعطيات من المحتمل لفكر هذه المدارس المتطرفة أن يستمر في البقاء في طروحات وممارسات الغلاة لأمد غير قصير رغم أنهم يعيشون في كنف الدولة - الوطنية ويسعون إلى الوصول إلى السلطة والثروة فيها، ووفقاً لما هو موجود من مؤسسات هي التي أنشأتها. وفي نفس الوقت ورغم نقدهم اللاذع لها هم لا يقدمون للإنسان العربي والمسلم بديلاً عصرياً ناجعاً لها يقنع هذا الإنسان بأن البديل المقدم له سيلبي احتياجاته ومتطلباته ويحقق مطالبه ومصالحه الحديثة.
وعندما يقدم مفكرو الغلاة البديل ينادون بإقامة الدولة الإسلامية، كما تم تطبيقها في الأيام الأولى لظهور الإسلام وكما مورست في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين الأربعة، وهم أبوبكر الصديق وعثمان بن عفان وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم.
وبالتأكيد أن إعادة إقامة الدولة الإسلامية كما ظهرت قبل ألف وأربعمائة عام خلت بجميع مؤسساتها ومعطياتها وفكرتها وطريقة ممارسة الحكم والسياسة فيها أمر غير ممكن ولا يمكن تطبيقه في زمن تغيرت فيه جميع أمور الحياة، وانقلبت موازينها بطرق تحتاج معها الأمور إلى إقامة حكومة وسلطة تواكبها وتكون قادرة على التعامل الكفؤ مع احتياجات البشر وفقاً لمتطلبات العصر الذي يعيشون فيه. الطروحات التي يطلقها الغلاة من أعضاء الحركات الإسلامية المتطرفة ويتم بها تبرير استخدام العنف ضد «الدولة الوطنية» الحديثة، إنما هي طروحات مجحفة ومبالغ فيها ويقصد بها الهدم أكثر من الإصلاح. ووفقاً لكل فكر معتدل سواء كان قائماً على الأيديولوجيا الدينية أو القومية أو الوطنية، معظم المواطنين في العالم العربي يرفضون التطرف المعادي للدولة - الوطنية.
إن الافتراء الذي يطلقه قادة التطرف والإرهاب يوضح وجود مشاكل جوهرية في معظم دول المنطقة العربية وجوارها الجغرافي، وردود الأفعال المتعلقة بمواجهة العنف بالعنف المضاد من قبل حركات شعبوية يدعي البعض منها بأنها حركات معارضة والآخر بأنه يعمل على نصرة الفئات المستضعفة من المجتمع تحت شعارات دينية ثبت بأنه استراتيجية غير مفيدة وغير فعّالة وتفاقم العنف والتوترات في الدول العربية والإسلامية وبين «الدولة الوطنية» ومواطنيها ومن يطلقون على أنفسهم حركات المعارضة الإسلامية.
المتطرفون في العالم العربي يطلقون اتهامات ضد «الدولة الوطنية» بأنها فاسدة ، وبأن ذلك سيستمر في الطفو على السطح جاعلاً من حل الصراعات السياسية والاجتماعية بالوسائل السلمية أمراً غير ممكن طالما بقيت «الدولة الوطنية» قائمة، وتتولى زمام إدارة شؤون الدولة والمجتمع الإسلامي. لذلك، فإن الاتهامات والانتقادات التي توجهها الحركات الإسلامية المتطرفة إلى «الدولة - الوطنية» تقوم أساساً على عدم شرعيتها وصلاحيتها من وجهة نظر إسلامية، وهذا يعني في نهاية المطاف جواز الخروج عليها ومحاربتها واستبدالها - كما يدعون- بدولة وحكومة قائمة على شرع الله. وهنا مكمن الخطر على الدولة والمجتمع، فهذه دعوة صريحة نهاراً جهاراً إلى بث الفوضى والعنف في دول العالم العربي.
إن من ينادون بذلك وإلى ذلك هم ذاتهم متطرفون فاسدون مآربهم خفية وغير أخلاقية وغير خافية على العرب والمسلمين، وقد ثبت فسادهم في السودان ومصر وتونس وغيرها من بلاد العرب التي وصلوا فيها إلى السلطة.
*كاتب إماراتي
إقرأ المزيد