قلمٌ وطاولةٌ.. وجوارٌ إقليمي
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

 هل تعدُّ مساحة الدولة في عالمنا اليوم عاملاً حاكماً يتيح بدوره الوصول إلى تحقيق الأمن للدول؛ أو يتجاوز ذلك ليلامس مجموعة من الاعتبارات الجوهرية؛ يتمثل بعضها في جوار جغرافي متصالح يُحقَّق معه عمق استراتيجي لهذه الدولة، أو تلك؟

نسير مع القارئ الكريم لسبر أغوار هذا الطرح وفق تشبيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، قُبيل استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض، يوم 4 فبراير 2025؛ إذ يشبِّه مساحة إسرائيل، قياساً إلى الشرق الأوسط، بقلم لطاولة مكتبه، عَاداً ذلك أمراً غير جيد. وسبق ذلك إعلانه، خلال تجمُّع ضم ناخبين يهوداً في نيوجيرسي يوم 15 أغسطس 2024، أن مساحة إسرائيل «الصغيرة» تقتضي «إيجاد سبيل لمنحها مزيداً من الأراضي».

ووفق هذا الطرح، مضافاً إليه رؤيته تجاه غزة التي تفضي إلى تهجير الشعب الفلسطيني منها، وما يقابله من رغبة الرئيس الأميركي في تحقيق الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط؛ لعلَّ القارئ الكريم يتساءل بشأن إمكانية أن يكون ذلك سبيلاً لاستعادة قدر من الاستقرار في الشرق الأوسط؛ ووقف حالة الصراع المحتدمة التي شهدها منذ 7 أكتوبر 2023 وقبله؟ أو أن المنطقة في ظل هذه المنطلقات من قلم وتهجير ستظل أسيرة لغلبة ديناميات الصراع؟

دعونا بدايةً نسير وفق هذه الفرضية؛ وهي رغبة من الرئيس الأميركي في تحقيق الاستقرار والازدهار بالمنطقة، والرغبة في تعزيز الموقف الإسرائيلي واضعين في الحسبان ما يرى ترامب أنه من غير المنصف أن تكون مساحة إسرائيل بهذا الحجم - القلم - في مقابل الشرق الأوسط - الطاولة- وبالرغم من الشهادات بالنجاح التي حققتها إسرائيل في مجالات مختلفة فإن منظوره لا يزال يرى أنها تظل دولة صغيرة؛ وهذا كما يقول أمر غير جيد.وفي ضوء ذلك؛ فإن دعوات ترامب المتكررة إلى إخلاء قطاع غزة من سكانه بشكل كامل، وعدم معارضته ما وصفه بخطة إسرائيل لضم الضفة الغربية، بل توقعه نجاحها، تدفعنا، مع القارئ الكريم، إلى ربط ذلك بالقلم والطاولة في رؤية ترامب؛ لنرى استنساخ قلم آخر، أو قلمين يتجه أحدهما إلى الضفة الغربية، والآخر باتجاه غزة؛ لتتحول نظرته تجاه حجم إسرائيل ومساحتها من أمر غير جيد إلى أمر جيد.

إن هذا المنظور المجرَّد من دون مراعاة للطاولة - الشرق الأوسط - سيدفع بلا شك إلى تعقيدات لن تحقق الشق الثاني من رؤية ترامب، وهو الاستقرار والازدهار. وما يؤكد ذلك هو رؤية ترامب التي أعلنها أكثر من مرة بأن منطقة الشرق الأوسط منطقة معقَّدة، وتغلب عليها نزَعات الحرب والصراع. والمؤكد، في ضوء هذه الحقيقة، أن أي توجه إلى استنساخ القلم على حساب الطاولة؛ وما تحتوي عليه من حقوق معترَف بها دولياً، تتمثل بالقضية الفلسطينية وحل الدولتين، سيعزز بدوره النزاعات؛ ويمنح زخماً لنشاط تنظيمات إرهابية تستند إلى سرديات قومية ودينية متطرفة؛ فضلاً عن احتمال إشاعة حالة واسعة من عدم الاستقرار المجتمعي والسياسي في المنطقة. وفي ضوء ما تقدم؛ فإن الاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط، ورؤية ترامب تجاه إسرائيل، ومعضلة القلم والطاولة، ترتبط بها عوامل كثيرة أهمها الجوار الجغرافي: فإمَّا سيناريو استنساخ القلم؛ فتتحول معه الطاولة إلى لون أحمر مناهض ومعادٍ لهذه الأقلام.

وإمَّا سيناريو آخر تجلَّى سابقاً في المبادرة العربية؛ وتتحول فيه الطاولة إلى لون أخضر لهذا القلم؛ وأقصد هنا باللون الأخضر علاقات دبلوماسية طبيعية بين القلم والطاولة بعد الوصول إلى حل الدولتين. ويتداخل معنا أحد القراء الكرام بقوله: ولكنَّ بقاء القلم كما هو في منظور ترامب أمر غير جيد، ونقول هنا - ولنا في التاريخ والحاضر عبرة - لِنَرَ سنغافورة، وكيف أن جوارها الجغرافي، المتصالح معها، وتأثيريها الإقليمي والدولي؛ تجعلنا حقيقة لا نفكر البتَّة في حجمها، بل في الاستفادة من تجاربها ونجاحاتها؛ والتعاون معها في المجالات العلمية والتقنية، وغيرها. فهل قلم وسط طاولة بجوار جغرافي متصالح، أو استنساخ لقلمين سيجف حبرهما قبل أن يَخطَّا حرفاً واحداً؟

*كاتب إماراتي
     



إقرأ المزيد