منحوتة قرود الحكمة 2-
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

ذلك النحت الذي ابتدعه الفنان «هيداري جينجورو» في القرن السابع عشر على باب ضريح «توشو غو» في مدينة «نيكو» اليابانية، والمتضمن مدونة قواعد السلوك الخاصة عند فيلسوف الصين «كونفوشيوس»، والتي ظهرت في «محاورات كونفوشيوس» من القرن الرابع إلى القرن الثاني قبل الميلاد: «لا تنظر إلى ما يتعارض مع اللياقة، لا تستمع إلى ما يتعارض مع اللياقة، لا تتكلم بما يتعارض مع اللياقة، لا تقم بأي حركة تتعارض مع اللياقة»، وتم تجسيدها لاحقاً بتلك العبارات المنقوشة، مزيدة حكمة أخرى على مدونة السلوك الشخصي: «الإنسان يجعل عينيه لا تريدان رؤية ما ليس صحيحاً، ويجعل أذنيه لا تريدان سماع ما ليس صحيحاً، ويجعل فمه لا يريد أن يقول ما ليس صحيحاً، ويجعل قلبه لا يريد أن يتداول فيما ليس صحيحاً». 
لكن البعض يرجعها لأسطورة «تنداي» البوذية التي وفدت لليابان من الصين في القرن الثامن، فيما كان يعرف بالعقائد الثلاث، وقد قامت منظمة اليونسكو بإدراج هذا المعلم في قائمة التراث الثقافي العالمي. 
لكن «المهاتما غاندي» هو من أعطى حكمة القرود بُعداً إنسانياً عالمياً حين تبناها كجزء من فلسفته في القوة الناعمة أو اللاعنف، بعدما أهداه وفد صيني زار الهند هدية منحوتة قرود الحكمة الثلاثة، وقالوا له: إنها لعبة، لكنها تلخص فلسفة، فاحتفظ بها غاندي طوال حياته، خاصة أن هناك تقديساً للقرود في الثقافة الهندية، حيث تحرم إيذاءها، ويجب إطعامها كل صباح. ويعتقد الهندوس أن روح القرد جزء من روح الإله «هانومان» الذي خلقه «البراهما» على هيئة قرد، وفي الملحمة الهندية «رامايانا» هناك قرود تشكل جيش الإله «راما»، والزائر لمدينة «لكنو» الهندية سيحظى بمشاهدة معبد القرد «هانومان»، ومتابعة طقوسهم في تمجيد هذا القرد وعبادته، فالزائرون له من الأتباع لا يمشون للمعبد بل يزحفون على بطونهم حتى يصلوا للمعبد دون استعمال أيديهم أو أرجلهم. 
قرود الحكمة التي في المنحوتة هي لقرود «المكاك» اليابانية، حيث تبلغ أنواع القرود في العالم 260 نوعاً، يمكن أن يعيش بعضها حتى 40 عاماً، ويعد قرد «البابون» أطولها عمراً، وتبلغ فترة حمل أنثاه نحو 187 يوماً، وهو القرد الذي قدسه الفراعنة، وخلدوه في مسلاتهم.
قرود الحكمة التي تختبئ عن الشر، هي: القرد الأول، «ميزارو»، الذي لا يرى الشر، والقرد الثاني، «كيكازارو»، الذي لا يسمع الشر، والقرد الثالث، «إيوازارو»، الذي لا يتكلم بالشر، هذا المبدأ المتمثل في الديانة البوذية بعدم ارتكاب الشرور الثلاثة؛ لديها زميل دائماً ما يكون غائباً، وقليلاً ما نراه جالساً معها، إنه القرد «سيدزارو» أو القرد المنسي، والذي يمثل مبدأ «لا ترتكب الشر»، ويظهر ساتراً عورته بيديه، والسبب في الغياب ربما يعود إلى أن اليابانيين يعدون الرقم 4 رقم شؤم، ومن يحمله يحسبونه سيئ الحظ على الدوام، لكن في اعتقادي أن الإنسان، بتلك الغريزة التي تسكنه، تواطأ مع الوقت على ذلك الشيء المسكوت عنه، والذي لا يحبه أن يكون ممنوعاً، لأنه يخص وجوده وتكاثره.



إقرأ المزيد