جريدة الإتحاد - 3/13/2025 11:45:35 PM - GMT (+4 )

عندما سمعت لأول مرة بمخطط «ريفييرا غزة» الذي طرحه الرئيس دونالد ترامب، أعاد ذلك إلى ذهني آمال الفلسطينيين قبل ثلاثة عقود خلال أوج اتفاقيات أوسلو. في ذلك الوقت، كنت أشارك في رئاسة مشروع «البُناة من أجل السلام»، وهو مشروع أطلقه نائب الرئيس آل جور لتشجيع الشركات الأميركية على الاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني لدعم عملية السلام الناشئة.
كنّا قد استعددنا لمهمتنا من خلال قراءة الدراسة الشاملة التي أعدها البنك الدولي حول الاقتصاد الفلسطيني قبل أوسلو. كانت الملاحظات والاستنتاجات واقعية، ولكنها تبعث على الأمل. فقد أشار التقرير إلى العقبات التي تعيق تنمية الاقتصاد الفلسطيني، مثل: سيطرة إسرائيل على الأراضي والموارد والطاقة الفلسطينية، ورفضها السماح للفلسطينيين بالاستيراد والتصدير بشكل مستقل، والعراقيل التي وضعتها إسرائيل أمام تنقل الفلسطينيين وحتى أمام ممارسة التجارة داخل الأراضي المحتلة.
ومع ذلك، خلص البنك إلى أنه في حال إزالة هذه القيود الإسرائيلية عن رواد الأعمال الفلسطينيين، فإن الاستثمارات الخارجية ستوفر فرصاً للنمو السريع والازدهار. لقد قرأنا أيضاً الدراسة الرائعة التي أعدتها «سارة روي» (عالمة سياسة أميركية) حول الإجراءات القاسية التي اتبعتها إسرائيل لـ«إفقار» غزة، بهدف منع تطور اقتصاد مستقل، وتحويل الفلسطينيين إلى مجرد عمال يوميين بأجور زهيدة في المصانع الإسرائيلية أو مشرفين على ورش صغيرة تنتج سلعاً للتصدير عبر الشركات الإسرائيلية. وقمنا أيضاً ببعض الزيارات الاستكشافية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة للقاء القادة السياسيين ورجال الأعمال الفلسطينيين، لتقييم الفرص المتاحة والتحديات التي قد نواجهها.
وسرعان ما اتضحت لنا الصورة بكل تفاصيلها. عندما حان وقت إطلاق المشروع، قُدتُ مع زميلي في الرئاسة، ميل ليفين، أول وفد من رجال الأعمال الأميركيين (الذي ضم أميركيين من أصول عربية ويهودية) إلى الأراضي الفلسطينية. وكانت أول تجربة لنا مع المشكلات التي سنواجهها عندما حاولنا الدخول عبر جسر الملك حسين من الأردن. فقد تم السماح لليهود الأميركيين وغيرهم بالعبور بسهولة، بينما تم فصل الأميركيين من أصول عربية عن المجموعة، وخضعوا لإجراءات تفتيش مهينة. عقدنا جلسة في القدس للفلسطينيين المهتمين بمقابلة المستثمرين الأميركيين، لكننا اكتشفنا أن دخول الفلسطينيين إلى المدينة يتطلب تصريحاً من سلطات الاحتلال. وبما أن التصاريح لا تسمح لهم إلا ببضع ساعات في المدينة، فقد تبين أن الوقت الذي تمكنوا من تكريسه لمناقشاتنا كان محدوداً.
وكان الدخول إلى غزة والخروج منها أيضاً مشكلة كبيرة. وما زالت إحدى المشاهد التي رأيتها عند مغادرتي غزة عالقة في ذهني: مئات الرجال الفلسطينيين مكدسون داخل ممرات ضيقة، ينتظرون تحت أشعة الشمس الإذن بالدخول إلى إسرائيل. وكان هناك جنود إسرائيليون شباب يصرخون عليهم من فوق، يأمرونهم بعدم النظر إليهم ورفع تصاريحهم فوق رؤوسهم. كان مشهداً مؤلماً للغاية. وفي غزة والضفة الغربية، كانت لقاءاتنا مع كبار رجال الأعمال الفلسطينيين مفعمة بالأمل. فقد كانوا حريصين على مناقشة الاحتمالات مع نظرائهم الأميركيين، وقد أعجب الأميركيون بهذه اللقاءات. كما ناقشنا عدداً من الشراكات المحتملة. كان هناك مشروعان بارزان. الأول كان يهدف إلى تصنيع المنتجات الجلدية، والثاني إلى تجميع الأثاث. وكلاهما اعتمد على قرب غزة من أوروبا الشرقية لتصدير المنتجات إلى هناك. لكن المشروعين فشلا لأن نجاحهما كان يعتمد على سماح إسرائيل باستيراد المواد الخام وتصدير المنتجات النهائية.
ويبدو أن الإسرائيليين ربما كانوا على استعداد لقبول مثل هذه المشاريع، ولكن بشرط أن يعمل الأميركيون والفلسطينيون من خلال وسيط إسرائيلي، وبالتالي تقليص ربحية المشاريع. حتى المشاريع التي حاولت الحكومة الأميركية تنفيذها فشلت. ذات يوم تلقيت مكالمة من مسؤول في وزارة الزراعة الأميركية، أخبرني بأن الوزارة قدمت 50 ألف بصيلة زهور لغزة لإنشاء صناعة تصدير الزهور. لكنه قال إن هذه البصيلات ظلّت عالقة في أحد الموانئ الإسرائيلية لأشهر وكانت تتعفن. وأضاف أن الوزارة كانت مستعدة لإرسال 25 ألف بصيلة أخرى، لكن ذلك كان يعتمد على ضمان دخولها من قِبل الإسرائيليين.
لم يتحقق ذلك لأن إسرائيل لم تكن تريد أي منافسة لصناعة تصدير الزهور الخاصة بها، ولذلك لم تسمح بقيام صناعة فلسطينية منافسة. بعد سنوات من الإحباط، قابلت الرئيس بيل كلينتون، الذي سألني عن مدى تطور المشروع. أخبرته عن العراقيل الإسرائيلية التي تعيق الاستثمار في التنمية الاقتصادية الفلسطينية المستقلة.
بدا عليه القلق وطلب مني أن أكتب له مذكرة تفصيلية. في رسالتي للرئيس، أوضحت المشكلات التي كنا نواجهها، وشكوت من أن فريق السلام التابع له لم يكن يأخذ هذه التحديات على محمل الجد، بحجة أن أي تحدٍ أميركي للإسرائيليين من شأنه أن يعيق جهود التفاوض من أجل السلام. وقلت للرئيس إن البطالة بين الفلسطينيين تضاعفت منذ أوسلو، وارتفعت معدلات الفقر، وتبخرت آمال الفلسطينيين في السلام.
ولدهشتي، بدا أن الرد الذي تلقيته من البيت الأبيض كان من إعداد فريق السلام التابع له، ولم يكن رداً على الإطلاق. وفي نهاية الفترة الأولى لكلينتون، تم حل منظمة بناة السلام ومعها آمال النمو الاقتصادي الفلسطيني المستقل. خلال العقد التالي، ومع غياب أي ضغط أميركي على إسرائيل لتغيير سلوكها، استمرت المفاوضات في التعثر، وأصبح الفلسطينيون أكثر فقراً، وازدادت إسرائيل غطرسة وقمعاً، وتصاعدت مشاعر الإحباط بين الفلسطينيين، مما أدى إلى تجدد العنف. هناك ذكرى أخرى من تلك الفترة لا بد من استرجاعها. كان أحد أكثر المشاريع الواعدة التي دعّمها «البُناة من أجل السلام» هو اقتراح من شركة فلسطينية أميركية مقرها في فرجينيا لبناء منتجع ماريوت على شاطئ غزة. وبعد تأمين الاستثمار الأولي، بدأت الشركة في البناء، بدءاً من الأساسات وموقف سيارات ضخم. ونظراً للمخاطر، طلبوا تأميناً ضد المخاطر من وكالة الاستثمار الأميركية OPIC، وهي وكالة حكومية أميركية تضمن الاستثمارات ضد المخاطر. وقد حصل المشروع على دعم وزير التجارة آنذاك، رون براون، الذي كان من داعمي «البُناة من أجل السلام»، كما حظي بمباركة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الذي رأى أن الفندق سيمثل حجر الأساس لنمو الاقتصاد الفلسطيني في المستقبل.
عندما تحدث ياسر عرفات إلينا عن مستقبل غزة، كان يقول إنه إذا حصلت على الاستثمار والتحرر من الاحتلال، فإنها يمكن أن تصبح «سنغافورة». وإذا حُرمت منهما، فستصبح «الصومال». وقد فعلت إسرائيل كل ما بوسعها لضمان أن تصبح غزة «الصومال»-ويبدو أنها نجحت. في ظل هذا الواقع، كان من المؤلم سماع خطة ترامب لبناء «ريفييرا غزة» بملكية أميركية. لقد ذكّرني ذلك بما كان يمكن أن يكون، ولكنه بعد ثلاثة عقود يتم طرحه دون أي منفعة تُذكر للفلسطينيين.
*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن
إقرأ المزيد