أثر الفراشة الذي لا نراه
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

أثرُ الفراشة لا يُرَى.. أثر الفراشة لا يزول»
.. 
ذلك ما قاله الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، وكان يقصد بذلك الإشارة إلى أهمية التفاصيل الصغيرة في حياتنا، وهي تلك التفاصيل التي غالباً ما نتجاهلها وسط انشغالاتنا وتقدمنا المتسارع في مجالات العلوم والتكنولوجيا والصناعة. إن هذه التفاصيل قد تبدو في نظرنا بسيطةً وغير مؤثرة، لكنها واقعياً تحمل في داخلها قوى هائلة قادرةً على إحداث تغييرات عميقة في حياتنا وربما في مستقبل الكون ككل.



استحضرتُ هذه الفكرة عندما قرأتُ تقريراً حول انخفاض أعداد الفراشات وانقراض بعض أنواعها بسبب التغير المناخي والتلوث البيئي، والتي تُعتبر مثالاً رمزياً فقط لأشياء كثيرة صغيرة نتجاهلها يومياً في حياتنا، فالقضية أساساً ليست الفراشات بحد ذاتها، بل تتمثل بالأساس في التفاصيل الصغيرة التي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من توازن النظام البيئي، من كائنات دقيقة ونباتات بسيطة، وحتى جزيئات صغيرة لا تراها العين المجردة، وهي جميعها تمثل تفاصيل دقيقة، لكنها ضرورية لسلامة واستقرار النظام البيئي الأكبر والأوسع.


إن 
نظرية «أثر الفراشة» تُذكّرنا بأن حركة جناح فراشة في مكان ما من العالم قد تؤدي إلى عاصفة ضخمة في مكان آخر بعيد عنه، ولقد ألهمت هذه النظريةُ الشاعرَ محمود درويش حين قال في أحد أعماله الأدبية: «أثر الفراشة لا يُرَى.. أثر الفراشة لا يزول»، مؤكداً بذلك أن التفاصيل الصغيرة التي قد تَفُوت علينا ولا نلاحظها يمكن أن تحمل تأثيرات كبيرة للغاية حين تتراكم وتؤدي إلى نتائج غير متوقعة.

ونحن كبشر وسط سعينا المحموم نحو التقدم العلمي والصناعي، أهملنا البيئة والطبيعة الأم التي أصبحت تتعرض لجروح عميقة نتيجة سلوكياتنا غير المسؤولة. وهذا الإهمال لتفاصيل تبدو لنا في الظاهر صغيرةً، مثل استخدام مبيدات ضارة، أو إلقاء نفايات بلا حساب، أو تجاهل حماية مَواطن الكائنات الحية.. إلخ، يمكن أن يؤدي إلى حدوث كوارث بيئية كبرى لا نتوقعها.


ولعل ما عايشناه في جائحة كورونا (أو كوفيد-19) يصلح دليلاً واضحاً على أن تجاهل التفاصيل الصغيرة في تعاملنا مع الطبيعة قد يحمل لنا عواقب وخيمة وكارثية إلى أبعد الحدود. إن مجرد فيروس مجهري صغير، لا يُرى بالعين المجردة، تسبب في توقف الحياة، وأدى إلى أزمة عالمية ما تزال آثارُها باقيةً حتى الآن. إنه مجرد فيروس صغير، لكنه كشف لنا بوضوح أن التفاصيل الصغيرة التي كثيراً ما نتجاهلها قد تكون أخطر بكثير مما نتخيل.



علينا اليوم التوقف برهةً من أجل إعادة النظر في علاقتنا بالطبيعة من حولنا، وفي انتهاج طريقة جديدة في التعامل معها على نحو أكثر احتراماً ومسؤولية. وعلينا أن نهتم بالتفاصيل الدقيقة في هذه العلاقة، مهما كانت صغيرةً. فهذا هو السبيل الوحيد لتحقيق استدامة الحياة وحماية كوكبنا، وذلك ببساطة لأن الطبيعة الأم بحاجة ماسة إلى وعينا وإلى جهودنا الواعية، فالأشياء الصغيرة التي نتجاهلها، استهتاراً أو عدم انتباه، قد تكون هي المفتاح الأساسي لإنقاذ بيئتنا ومستقبل أجيالنا القادمة. ولنتذكر دائماً في هذا المضمار قول الشاعر محمود درويش: 
«أثرُ الفراشة لا يُرَى.. أثر الفراشة لا يزول».


*كاتب أردني مقيم في بلجيكا



إقرأ المزيد