جريدة الإتحاد - 4/21/2025 11:49:19 PM - GMT (+4 )

حين انطلق الفصل الثالث من العام الدراسي الحالي، عادت الحياة إلى مدارسنا بروح متجددة، وحيوية ظاهرة في وجوه الطلبة والمعلمين، وكأنهم جميعاً يدركون أنهم ليسوا مجرد جزء من منظومة تعليمية، بل جنود في معركة بناء المستقبل. لقد أولت قيادتنا الرشيدة التعليم اهتماماً استثنائياً، ليس لأنه واجب روتيني، بل لأنه قرار استراتيجي يعكس إيماناً عميقاً بأن الاستثمار الحقيقي هو في الإنسان، وأن بناء العقول يسبق بناء الأبراج.
إن اهتمام الإمارات بقطاع التعليم، باعتباره حجر الزاوية في بناء مستقبل مستدام واقتصاد معرفي متنوع، يعني تحسين جودة التعليم عبر تطوير المناهج، وتدريب المعلمين، وتعزيز استخدام التكنولوجيا.
ولهذا تضخ الحكومة استثمارات مالية كبيرة في البنية التحتية، وتزويد المؤسسات التعليمية بأحدث التقنيات التي تهدف إلى دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية. ولا نبالغ حين نقول إن دولة الإمارات جعلت من التعليم ركيزة رئيسية في رؤيتها للمستقبل.
فالتطوير لا يتوقف عند حدود المناهج أو تحديث المباني، بل يمتد إلى إعادة تعريف دور المدرسة، ومكانة المعلم، وهدف التعلم ذاته. ولعلّ الأهم من كل ذلك هو هذا الزخم المتزايد نحو دمج التكنولوجيا في التعليم، ليس كترف عصري، بل كأداة جوهرية لخلق جيل قادر على التفاعل مع اقتصاد المعرفة، والتفوق فيه. ومع كل هذا الحراك، يبرز سؤال محوري: هل نُعد أبناءنا حقاً للمستقبل؟
هنا تحديداً يتجلّى الفارق بين تعليم يستهلك الوقت، وتعليم يصنع القيمة. وهنا أيضاً يأتي دور المناهج الحديثة، التي لا تُلقّن، بل تُحفّز على التفكير، وتمنح الطالب فسحة للإبداع، وتشجّعه على أن يسأل لا أن يحفظ فقط. ما يبعث على الفخر هو أن الحكومة لم تتوقف عند التحديث، بل تجاوزته إلى التمكين. فجاءت مبادرات مثل «مؤسسة زايد للتعليم» لتعكس بُعداً جديداً في الرؤية، إذ لم تعد الغاية فقط تعليم الأجيال، بل صناعة قادة قادرين على تقديم حلول للتحديات العالمية. وتقوم تلك الرؤية على أن المؤسسة تسعى بحلول عام 2035 لدعم مئة ألف شاب موهوب، وهذا رقم لا يعبّر فقط عن الطموح، بل عن التصميم والعزيمة في صناعة جيل متميز.
واللافت أن التعليم في الإمارات حالياً لا يُبنى فقط بعقلية المستقبل، بل بقلب الهوية. فمناهج التربية الوطنية، والأنشطة المدرسية التي تكرّس الانتماء، ليست أموراً شكلية، بل هي جزء من فلسفة تربوية ترى أن الانفتاح على العالم لا يعني الذوبان فيه، وأن الاعتزاز بالهوية هو الشرط الأول للحوار الحضاري. نحن اليوم أمام نظام تعليمي يخطو بثقة نحو الريادة والتحول الرقمي، الذي تؤكده مبادرات مثل برنامج محمد بن راشد للتعلم الذكي، وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، ومنصات إلكترونية تُمكن الطلبة من التفاعل مع المحتوى التعليمي بشكل مرن وفعّال.
وكل هذا يعكس التزام التعليم في الإمارات ببناء جيل رقمي مبتكر، قادر على المنافسة في اقتصاد المعرفة، وتحقيق الريادة في التعليم الذكي، والتفاعل مع تحديات المستقبل، إلى جانب معلمين مؤهلين. وفي ظل كل هذا الزخم، تبقى المسؤولية مشتركة: الأسرة، والمعلم، وصانع القرار، كلهم شركاء في صناعة المستقبل.
ولا يصح أن ننظر إلى المدرسة باعتبارها مؤسسة تقدم خدمة تعليمية فحسب، بل باعتبارها مصنعاً للعقول، ومختبراً للقيم، ومساحة لبناء الإنسان، وهو ما يعكس رؤية القيادة التي لا ترى في التعليم ملفاً تنموياً فقط، بل مشروعاً وطنياً طويل المدى يرتبط ارتباطاً وثيقاً باستقرار الدولة وأمانها وريادتها. التحديات القادمة كثيرة، لكن لدينا من العقول والإرادة ما يجعلنا واثقين بأن أبناء هذا الوطن حين تُمنح لهم الأدوات الصحيحة يمكنهم أن ينافسوا لا أن يواكبوا فقط.
إقرأ المزيد