جريدة الإتحاد - 4/22/2025 12:18:11 AM - GMT (+4 )

أتذكر في إحدى الجولات في نواحي باريس استوقفتني إحدى الأسواق المتنقلة، والتي تقام في المناسبات وفي المدن المختلفة، كما هي العادة التي أفعلها دائماً مع مثل تلك الأسواق التي يطلقون عليها «روكان»، وفيها تجد أشياء مهمة وبسيطة، رخيصة وغالية، أشياء ذات قيمة، وأشياء عديمة القيمة، لكنه ذاك الفرح البادي على الجميع البائع والشاري، حيث يقوم الناس ببيع أشيائهم ومقتنياتهم أو منتجاتهم، ومن بين تلك الأشياء الكثيرة المعروضة، هناك عادة ركن محبب، وهو ركن الكتب القديمة والمقروءة والنادرة، والتي تحمل توقيع مؤلفها، نهارها عثرت على كتاب «تاريخ القُبلة» وأتجنب أن أكتبه كما جاء بالفرنسية، لأن كتابة القُبلة يحمل معنى آخر للذين يعرفون الفرنسية.
يومها تعجبت كثيراً كيف أن الأوروبيين ما تركوا شيئاً ما كتبوا عنه وفيه، الآن نسيت بعضاً مما جاء في الكتاب، وصعب عليّ أن أجده في مكتبتي في العين أو أبوظبي، لكنني بالتأكيد متذكر غلافه، المهم في الموضوع أنه أدهشني كيف ينتقون الأمور، ويبحثون دقائقها، ويوثقون لكل شيء في حياة مجتمعاتهم، وصادف أنني كتبت قديماً موضوعاً عن تاريخ القُبلَة السينمائية، وكيف بدأت تشق طريقها نحو الشاشة، وردود أفعال المجتمعات المختلفة نحوها، فقد غادرت الشوارع في أوروبا لتصل إلى بيوت مجتمعات مختلفة في العالم، لها ثقافاتها وتقاليدها وتعاليم أديانها.
والقُبلَة أنواع، منها، حسب مطرحها، وحسب مُعطيها ومُستقبِلها، وحسب توقيتها، وهناك دراسات علمية وأدبية ونفسية بشأنها، من بين أهم القُبلات هناك قُبلة الحياة، لإنقاذ وإسعاف شخص معرض للموت، وهناك قُبلة الموت كما تفعل أنثى العنكبوت، وقُبلة الشكر والعرفان والتبجيل، قُبلة الوداع، قُبلة التحية والسلام، قبلة الخنوع والذل والهزيمة، وهناك القُبلة الفرنسية، وهو مصطلح اشتقه الآخرون الزائرون لفرنسا في بداية زمن التحرر، والانسلاخ عن المحافظة وأعراف المجتمع التقليدي، وكانت فرنسا سبّاقة لهذا الأمر، وحينما عادوا، وخاصة الجنود من البلدان المحافظة مثل اليابان والشرق، والبعض يرجعه إلى الجنود الأميركيين والبريطانيين أثناء الحرب العالمية الأولى، حينما عادوا أطلقوا على ما كانوا يرونه جهاراً نهاراً في شوارع باريس بين العشاق «القُبلَة الفرنسية» لكنه كمسمى لا يوجد له تاريخ في فرنسا نفسها، رغم أن الفنان «أوغست رودان» خلدها في تمثاله الشهير «القُبلَة» الموجود في حدائق «تولييري» في باريس، وبعدها أصبح تقليدياً في المجتمعات الغربية ساعة إعلان القس عقد الزواج الكاثوليكي، وطلبه من الزوج تقبيل عروسته على الملأ ابتهاجاً بهذه المناسبة.. وغداً نكمل عن تاريخ القُبلَة السينمائيّة.
إقرأ المزيد