«صُنّاع الأثر» مبادرة رائدة
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

في خطوة سبّاقة، أطلق مجلس الشؤون الإنسانية الدولية، بتوجيهات سمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء، رئيس مجلس الشؤون الإنسانية الدولية، رئيس مجلس أمناء مؤسسة إرث زايد الإنساني، مبادرة «صُنّاع الأثر» بالشراكة مع أكاديمية الإعلام الجديد، لتأهيل جيل جديد من صُنّاع المحتوى الإنساني المؤثر، بالتزامن مع الثورة الرقمية التي يشهدها العالم والمنافسة الشرسة على التأثير الرقمي. وتأتي هذه المبادرة في سياق رؤية استراتيجية أوسع تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة لترسيخ مكانتها مركزاً عالمياً لصناعة المحتوى الرقمي والإنساني الإيجابي.

وتعكس المبادرة قناعة بأن الإعلام لم يعد مجرد وسيلة نقل أخبار، بل أصبح إحدى الأدوات الرئيسية في هندسة الوعي الجماعي وتشكيل اتجاهات الرأي العام، حيث تقدم المبادرة برامج تدريبية متخصصة، مثل «مهارات المتحدث الرسمي والظهور الإعلامي وإدارة الأزمات»، و«صحافة التأثير الإنساني»، من أجل تمكين الصحفيين والمصوّرين والمؤثرين والمتحدثين الرسميين من مختلف أنحاء العالم العربي والدول الصديقة، من تطوير مهاراتهم في سرد القصص الإنسانية، وفهم تقنيات النشر الرقمي، والتمرس في إيصال الرسائل الإعلامية المؤثرة.

ويمكن النظر إلى المبادرة بوصفها أداة حيوية لتعزيز الهوية الوطنية والقيم الاجتماعية في مواجهة موجات التأثير الإعلامي العابر للحدود. وهي تتميز بانخراطها العملي في بناء جيل جديد من صُنّاع المحتوى القادرين على إنتاج مواد نوعية ذات أثر ملموس، ليس فقط على منصات التواصل، بل في مجالات الصحافة الإنسانية، والوعي التنموي، والتواصل المؤسسي الفعال.

ويعكس اختيار الإمارات إطلاق برامج تدريبية متخصصة لتأهيل 250 صانع محتوى وصحافياً متخصصاً في الشأن الإنساني بُعداً استراتيجياً مزدوجاً، فمن جهة تسد هذه البرامج فجوة قائمة في صناعة محتوى نوعي ينسجم مع تطلعات الجيل الرقمي ويرتبط بالقضايا المجتمعية ذات الأولوية مثل التنمية المستدامة والعمل الإنساني والمسؤولية الاجتماعية، ومن جهة أخرى تؤسس هذه البرامج لبنية احترافية تنقل صناعة المحتوى في الإمارات من الهواية الفردية إلى الاحتراف المؤسسي المنظم.

وعلى صعيد آخر، تحمل مبادرة «صُنّاع الأثر» أبعاداً اقتصادية لا تقل أهمية عن أبعادها الإعلامية والثقافية، إذ تُسهم في تنشيط قطاعات الاقتصاد الإبداعي، وتوفير فرص عمل مبتكرة في مجالات الإنتاج الرقمي، وإدارة المنصات، وتطوير التطبيقات الإعلامية الذكية، وتحليل البيانات الرقمية، ما يؤسس بيئة اقتصادية داعمة للابتكار والاستثمار في الصناعات الإبداعية، وينسجم مع توجه الإمارات لتعزيز التنوع الاقتصادي، وتعزيز الانتقال إلى اقتصاد المعرفة الذي يمثل أحد أعمدة رؤيتها التنموية المستقبلية.

وثمة تركيز خاص في المبادرة على أهمية الجانب القيمي والأخلاقي في محتوى الإعلام الجديد، حيث إن التحدي الأكبر الذي تواجهه منصات الإعلام الرقمي في العالم اليوم هو الانزلاق نحو الإثارة السطحية أو الخطاب المتطرف، وهو ما تسعى الإمارات إلى معالجته من خلال تطوير جيل من صُنّاع المحتوى واعٍ بمسؤولياته الاجتماعية، وقادر على تقديم محتوى يحترم التنوع الثقافي، ويعزز التفاهم الإنساني، ويخدم أهداف الاستقرار والتنمية، ومن هنا يظهر المزج الذي تسعى المبادرة لتحقيقه بين مهارات التقنية المتقدمة، والوعي الذي يرسخ المسؤولية الاجتماعية في العمل الإعلامي.

واللافت للنظر أن المبادرة تتسم بمرونة تسمح بتوسيع نطاق تطبيقها لتشمل تخصصات متنوعة، بدءاً من الإعلام الإنساني والتنموي، مروراً بالمحتوى الثقافي والتربوي، ووصولاً إلى الإعلام الاقتصادي والابتكاري، بما يتيح فرصاً أوسع أمام الشباب الإماراتي والعربي للتخصص في مجالات إعلامية تخدم القضايا المجتمعية الحيوية، وتفتح لهم آفاق ريادة إعلامية جديدة، ما يجعل من هذه المبادرة منصة مستدامة قابلة للتطور المستمر وفق المتغيرات التقنية والاجتماعية المستقبلية.

تمثل مبادرة «صنّاع الأثر» منصة لصناعة التغيير وبناء محتوى إنساني هادف، وتتجاوز المبادرة كونها برامج تدريبية لتفتح الباب أمام الموهوبين لصياغة محتوى مؤثر يرسخ القيم الإنسانية، وينسجم مع توجهات القيادة الرشيدة في تعزيز الإعلام الهادف عبر المنصات الرقمية. كما تسهم في مواجهة المحتوى السلبي والمنصات الهابطة، عبر ترسيخ خطاب إعلامي يرتقي بالوعي، ويحمي المجتمعات من خطاب الإسفاف والانقسام.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. 



إقرأ المزيد