جريدة الإتحاد - 7/3/2025 11:03:40 PM - GMT (+4 )

في ظل صيفٍ سياسيّ ملتهب، لا تهدأ فيه طبول الحرب ولا تصمت فيه نداءات التهدئة، تعيش المنطقةُ العربية لحظةً فارقة بين احتمال الانفجار الإقليمي وحلم التسوية المؤجلة. من غزة التي دخلت عامها الثاني تحت القصف، إلى جنوب لبنان الذي يزداد اشتعالاً يوماً بعد آخر، تقف العواصم العربية والدولية على أطراف أصابعها، تترقب وتنتظر وتُقدّر الحسابات. في غزة، لم تعد المشاهد تُفاجئ أحداً، ولا الأرقام تُحرّك ضميراً دولياً. ما يقارب ستين ألف شهيد، آلاف المفقودين، انهيار تام في البنية التحتية، ومفاوضات تهدئة لا تتقدم ولا تُرفض بشكل نهائي. الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن مؤخراً عن موافقة إسرائيل على هدنة مدتها ستين يوماً، برعاية مصرية وقطرية وفرنسية، لكن الداخل الإسرائيلي المضطرب، وضغوط وزراء اليمين، جعلت من تنفيذ هذا الاتفاق أمراً هشّاً ومعرَّضاً للتأجيل أو الانهيار في أي لحظة. أما «حماس»، فلا تزال تُمسك بورقة الأسرى، وتترقب مدى جدية الموقف الدولي قبل الدخول في اتفاق نهائي. أما في جنوب لبنان، فإن النار لم تعد خافتة، بل مشتعلة ومُعلنة.
القصف المتبادل، والطائرات المسيّرة، وتوسّع رقعة الضربات، كلها مؤشرات لا تُخطئ الطريق نحو احتمال المواجهة الشاملة. «حزب الله» يربط ساحة الجنوب بغزة، ويؤكد أن المعركة واحدة، والردّ متزامن، والعدو لا يفرّق بين الجبهتين.
من جهة أخرى، إسرائيل تتحدث عن حسم أو ضربة وقائية، والولايات المتحدة تُحذّر علناً من أي تصعيد واسع قد يُخرج الأمورَ عن السيطرة. الإدارة الأميركية، بقيادة ترامب، تبدو حذرةً في دعمها لإسرائيل هذه المرة. فالرئيس الذي يدعم بقوة أمن تل أبيب، وقّع صفقةَ تسليح جديدة، لكنه في الوقت ذاته أرسل رسائل واضحة مفادها أن أي مغامرة في لبنان ستكون «خارج إطار المقبول سياسياً»، وأن الاستقرار الإقليمي يخدم المصالح الأميركية أكثر من أي حرب مفتوحة.
الكونغرس الأميركي من جانبه بدأ يضغط على الإدارة للحد من أي عمل عسكري منفرد، خصوصاً بعد الغارات الأخيرة على منشآت نووية إيرانية، والتي أكّد البنتاغون أنها أرجأت البرنامجَ النووي الإيراني عاماً على الأقل. وعلى الجهة العربية، تتوزع المواقف بين الدعم الإنساني والتفاعل الدبلوماسي الحذر.
الإمارات، والسعودية، ومصر، تقود جهوداً لتثبيت الهدنة في غزة، وتقديم مساعدات طارئة للقطاع، لكن الموقف من «حماس» لا يزال نقطةَ خلاف أساسية بين العواصم العربية، وهو ما يُضعف القدرةَ على صياغة موقف موحّد ومؤثر في مسار الأحداث. وفي ظل هذا التباين، يبرز سؤال ملحّ: هل الموقف العربي اليوم يُعبّر عن وزن المنطقة؟ أم أننا لا نزال نُجيد فقط فنونَ ردود الفعل دون أن نمسك زمام المبادرة؟
أما على مستوى السيناريوهات، فالخيارات كلها مفتوحة.. من تصعيد إقليمي شامل قد يبدأ من الجنوب اللبناني ولا يُعرف إلى أين يمتد، إلى هدنة جزئية في غزة ترافقها مناوشات محسوبة في الجبهة الشمالية، مروراً باحتمال انفراج دبلوماسي تقوده عواصم غربية وعربية، أو على الأقل استنزاف طويل لا يُسفر عن نصر ولا سلام.وفي الخلاصة.. يبدو أن المنطقة اليوم بحاجة إلى ما هو أبعد من البيانات السياسية والتحركات الرمزية.
نحن أمام لحظة يتقرر فيها شكل التوازن المقبل في الشرق الأوسط، وحجم الدور العربي فيه.. فإما أن نكون رقماً حقيقياً في المعادلة، وإما أن نُترك على الهامش نعدّ الخسائر، ونصفّق لانتصارات الآخرين أو نرثي ضحايانا بصمت.
*لواء ركن طيار متقاعد
إقرأ المزيد