رجال عَرَفتهم أم سبع البلادين -11-
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

كان بطلاً منذ أن أجبر على الدخول للمدرسة الوحيدة في العين، كان وزنه يعادل طالبين وبقامة غليظة ليست بالطويلة، كان جسده مشروع أن يهيس على ثور أو يجر على «اليازرة» أو أي شيء يتعلق بالمناطحة، وحمل «يواني العيش» إطلاق الناس عليه لقب «البهلوان» زادته قساوة، وأعطته صلابة لم يكن بحاجة لها، كان يمكنه أن يزاحي ثلاجة على صدره، أو يحمل صرمة مقلوعة من أمها على ظهره، أو يحمل «كنديشن خربان» بين يديه، ولا يعني الأمر له شيئاً ذا بال أو ثقلاً يئن منه.
بدأ يتململ من المدرسة من السنة الأولى التي دخلها أصلاً متأخراً بعد أن جربه أبوه في مهن كنا نسميها شاقة نحن الطلاب النظاف الذين كنا نلعب الكرة بأحذية، «البهلوان» صاحب هذا اللقب الذي سدّ عن اسمه في غالب الأوقات، كان يمشي حافياً في الرمضاء، ولا يبالي، الناس كانوا يقولون إن رجليه «دبل» كناية عن «تواير» السيارة، وحلف واحد ممن اشتبك بهم في حين من الأوقات، وكان هو دائماً العائل، أنه خطف رجله على يديه، وأنه جرحهما مثل جرح الداس، لا اشتكى من رمضاء ولا من شحف، ولا عرف الحناء، وكان كعبا رجليه متشققين مثل ظهر تمساح.
رغم كل تلك القساوة البادية عليه، والتي جعلت من أعضاء الحركة لديه كل يوم تكبر وتعرض بشكل ما، حتى غدا كف يده كبر «الشيول»، إلا أنه «هاب ريح»، ولا أحد انتخاه ولا لبى، أو نصاه ولم يستجب أو أحد زبن عنده، وجَسَر أحد أن يقاربه حتى الشرطة ما كانت تقدر عليه، وهو عادي عنده إن دخل السجن أو توقف في الحبس أو حتى عقّوه في الطامورة، مرات كثيرة بعد الفيلم الهندي تأخذه الحمية وفرحته بالبطل الهندي في الفيلم، فيقوم يضارب بعد الفيلم، ومرات يأتي متحمساً للعرصة المحيطة بسينما الواحة، وما يخلي أحداً من الباعة في تلك الساحة إلا وتنازع معه، في الجبرة يضارب، نهار الجمعة قبل الصلاة يلقى له أحداً ويتضارب معه، حتى في الأعراس التي يكون له كل اللزوم من الحَطَاب وضرب قدر الهريس، وتوزيع صواني العيش واللحم، لكن العرس لا يحلو له إلا بعد أن يتداغش مع هذا، ويلطم ذاك، ومرة جاءته أخته تشكو زوجها، فلطم وجه نسيبه، وبقي فكه معوجاً حتى رضت عنه زوجته.
لكن من صفاته الخيّرة أنه ما يرهى على الضعيف، فدائماً ينتقي القوي ليصرعه، وأنه لا يبطش إلا بعد أن يخبره ضميره المتسرع وغير المتردد أنه على حق، لم يمر يوم هادئ في حياته، حتى أصبح صديقاً لكل أفراد الشرطة في قلعة المربعة من كثرة تردده عليهم، حتى مرات يكون هو السجين الوحيد عندهم، لذا تفتقت فكرة لدى الشخص المسؤول عن المربعة أن يوظفه في الشرطة، منها اتقاء أذاه، ومنها تسخيره للعمل الخيري، ومعاقبة الحرامية والمقبوض عليهم، والذي يقلّ أدبه على الناس، وهو وجد نفسه في هذا العمل الذي كأنه خلق له، مع مشاهرة ثابتة تدخل عليه كل شهر، لذا جاءته فكرة الزواج بعد شهور من تلك الوظيفة التي قللت من شروره، وجعلته يتصرف نوعاً ما بمسؤولية، كان يشعر بها مع كثير من الفخر، لأنه صار من الحكومة.



إقرأ المزيد