جريدة الإتحاد - 7/24/2025 1:22:16 AM - GMT (+4 )

قبل عشرين عاماً، كان نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور يجوب العالم ليروي عرضاً مرئياً حول مخاطر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتغير المناخ، وفي عام 2006، وصل العرض إلى جمهور واسع من خلال الفيلم الوثائقي «حقيقة مزعجة». وكان من الصعب على الجمهور آنذاك أن يتخيل عناوين الأخبار بعد عقدين من الزمن، مثل هذا العنوان الذي يعلن أن «الطاقة الشمسية هي أكبر مصدر للطاقة الكهربائية في الاتحاد الأوروبي».
وفي يونيو الماضي، أنتج الاتحاد الأوروبي، أحد أكبر اقتصادات العالم، للمرة الأولى، كهرباء من الطاقة الشمسية أكثر من أي مصدر آخر. وجاءت ثلاثة أرباع كهرباء الاتحاد الأوروبي في يونيو من مصادر غير أحفورية. ووفقًا لمركز أبحاث الطاقة «إمبر»، شكّلت الطاقة الشمسية 22% من إنتاج الكهرباء في الاتحاد الأوروبي خلال الشهر الماضي، متفوقة بفارق طفيف عن محطات الطاقة النووية في أوروبا. ولم يضاهِ الغاز الطبيعي والفحم مجتمعين أياً منهما. وتم توليد المزيد من الكهرباء باستخدام طاقة الرياح والمياه مجتمعة مقارنة بالوقود الأحفوري.
كما خرج العنوان الذي يقول: «الطاقة النظيفة تُعيد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين إلى وضعها الطبيعي». وخلال الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بالعام السابق، وللمرة الأولى أيضاً، انخفض إجمالي انبعاثات الكربون من العملاق الصناعي ليس بسبب الركود الاقتصادي، بل بفضل التقدم السريع في تكنولوجيا الطاقة المتجددة، لاسيما الطاقة الشمسية. وقد نشر المحلّل لاوري ميلفيفيرتا، الزميل البارز في «معهد سياسة آسيا»، نتائج في منصة «كربون بريف» تقول: «يعود الانخفاض في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين خلال الربع الأول من عام 2025 إلى تراجع بنسبة 5.8% في قطاع الطاقة.. وعوضت الزيادات في توليد الطاقة من الشمس والرياح والطاقة النووية، مدفوعة باستثمارات توليد جديدة، عن نمو الطلب».
ولا تبدو العناوين الرئيسية مبشرة في الولايات المتحدة، حيث يتّسم حماس الحكومة لمعالجة مشكلة الاحتباس الحراري بانخفاض ثباته مقارنةً بمعظم دول أوروبا. ولكن التقدم المحرز في السنوات الأخيرة كان مُلفتاً للنظر. لنأخذ مثالاً: في مارس 2005، جاء 27% من استهلاك الكهرباء في الولايات المتحدة من مصادر وقود غير أحفوري. وفي مارس الماضي، جاء 42 في المئة من استهلاك الكهرباء بالولايات المتحدة من مصادر غير تقليدية. وكانت الطاقة الشمسية قبل 20 عاماً مصدراً هامشياً للغاية، لكنها الآن تجاوزت الطاقة الكهرومائية، بينما توفّر طواحين الهواء طاقة تزيد على ضعف ما تولده السدود المائية.
ومع أن إدارة ترامب كانت عدائية تجاه بعض مصادر الطاقة المتجددة، إلا أنها دعّمت محطات الطاقة النووية من الجيل التالي جزئياً، ومن دون هذه المحطات، لن يكون للعالم أمل في التغلب على مشكلة الانبعاثات. وانخفض إجمالي استهلاك الكهرباء في الولايات المتحدة بأكثر من 15% في مارس الماضي مقارنة بالشهر نفسه من عام 2005، ومع ذلك، خلال العقدين الماضيين، تضاعف حجم الاقتصاد الأميركي بأكثر من الضعف. وانكسرت الصلة الأزلية بين تزايد الثروة وتزايد استهلاك الطاقة، لقد أثبتنا أن الاقتصادات قادرة على النمو بقوة دون استخدام المزيد من الطاقة.
ولا تعني هذه العناوين أننا أنجزنا المهمة بشأن المناخ، بل على العكس. لا يزال البشر ينتجون انبعاثات كربونية وميثانية تفوق قدرة الغلاف الجوي على امتصاصها من دون التسبب في احتباس حراري إضافي. وستؤدي الزيادة الناتجة في غازات الدفيئة إلى آثار متوقعة وغير متوقعة ستضر البشرية لأجيال قادمة. لكن ما تُظهره هذه العناوين بوضوح هو أن التقدم ليس ممكناً فحسب، بل هو واقع بالفعل. لقد ثبت خطأ التنبؤات القاتمة بأن تغيير منظومة الطاقة العالمية سيُدمر الاقتصادات ويعيد الحضارات إلى الوراء.
وقطعت أوروبا ثلاثة أرباع الطريق نحو شبكة كهرباء خضراء. وعلى الأرجح، بدأت الصين تتراجع عن ذروة الكربون. وفي أي من هذين المكانين، لم تُلحظ تأثيرات تعطل كبير على نمط الحياة المعاصرة. نحن نحرز تقدماً بفضل ابتكارات لا حصر لها، مثل ألواح شمسية أرخص، ومولدات نووية أكثر أماناً، وبطاريات أفضل، وسيارات وشاحنات وطائرات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود، وأجهزة كهربائية أكثر ذكاء، وزراعة أكثر إنتاجية، وإعادة تشجير، وطرق أخرى لاحتجاز الكربون وتخزينه.
وهناك أفكار جيدة لمزيد من الابتكارات، أفضلها فرض ضريبة على الانبعاثات، لإظهار التكاليف الخفية للتلوث الكربوني بوضوح في السوق، مما يحفّز المزيد من الابتكار.ورغم أن ذلك يبدو مستحيلاً، فإن الكثير من الأمور التي بدت مستحيلة في عام 2005 تحققت اليوم. وتحظى ضريبة الكربون بدعم واسع من الحزبين لأنها طريقة أكثر كفاءة لتشجيع موجة التقدم التالية، مقارنةً بتوزيع الدعم والإعفاءات الحكومية.
كما أن تلوث الغازات الدفيئة مُكلفٌ. ويمكن توضيح هذه التكلفة أمام المحرك الذي لا يقاوم للرأسمالية الأميركية، ومراقبة ما يمكن أن يفعله السوق. والتقدم المشجع خلال السنوات الـ20 الماضية مجرد مقدمة لثورة في الابتكار والاكتشاف.
*كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»
إقرأ المزيد