جريدة الإتحاد - 10/18/2025 11:18:31 PM - GMT (+4 )

قبل الحرب العالمية الثانية، كانت النظرية السائدة أنّ التوجه إلى الحرب شديد الصعوبة، لما يتطلبه من استعدادات، ولأنه مخاطرة قد تؤدي إلى عواقب سيئة على مَن يثير الحرب. لكنّ إقدام الزعيم الألماني أدولف هتلر على شنّ الحرب عام 1939، رغم التنازلات الأوروبية له، والتي كان يمكن أن تتحقق بها معظم أهدافه، دفع منظّرين كثيرين إلى تغيير الرؤية بشأن دوافع الحرب واندفاعاتها. وصار منظّرون كثيرون إلى افتراض أسباب مركَّبة مثل وجود أهداف يعتبرها القائد السياسي ضرورات لوطنه أو لشخصه، وامتلاك قوة عسكرية معتبرة لديه، وضعف قوة الخصم أو هشاشة تحالفاته، ووجود نزاعات أُخرى قد تصرف الاهتمامَ عن المواجهة الجديدة.
ويمكن اختبار هاتين الرؤيتين، رؤية البساطة أو العالم الأوحدي، ورؤية التركيب في الوضع العالمي الراهن. وفي العامل الأوحدي أنّ هتلر ما كان دافعه الرئيسي الحصول على أراضٍ جديدة، بل الانتقام لظلمٍ قديمٍ نزل بألمانيا في الحرب العالمية الأولى. ومعلوم أن هتلر، النمساوي الأصل، كان جندياً مقاتلاً في الجيش الألماني الذي انهزم في تلك الحرب!
طوال السنوات الماضية، ظلّت روسيا تَعتبر أنّ ظلماً هائلاً نزل بها في مطلع التسعينيات لا يمكن تعويضه أو نسيانه إلاّ بالانتقام لكرامتها الوطنية وبتعويض خسائرها القومية، وأكبرها أوكرانيا. ويضاف لذلك التصدعُ الذي بدا في حلف الأطلسي بإعراض أميركا عنه من جهة، وعدم اهتمام أوروبا بالدفاع عن أقاليمها الجديدة/ القديمة! وأياً تكن دوافع النزاع الروسي الأوكراني، فقد مضت أكثر من ثلاث سنواتٍ على اندلاعه. وقد حققت روسيا تقدماً ملحوظاً، لكنّ أوكرانيا لم تنهزم بسبب الدعم الغربي. والسؤال الآن، وقد تعدد المدخل الأميركي، ولم يعد واحداً: هل يستطيع الروس الانسحاب ولو جزئياً؟ وإلى متى تستطيع أوروبا تقديم الدعم الكفيل باستمرار الصمود الأوكراني؟ وما الحدود التي يمكن أن يصلها التنازل الأوكراني دون أن تنهار البلاد؟
كل هذا التقديم عن الحروب وأسبابها لكي نصل إلى الحرب الإسرائيلية على غزة وفلسطين ولبنان وإيران. الواقع أنه ليس هناك عاملٌ واحدٌ مثل السابع من أكتوبر، فالهجمات السابقة كانت تنتهي بعد الرجحان الإسرائيلي بتبادل الأسرى. لذا ينبغي البحث عن عوامل متعددة أو مركَّبة مثل الانتقام من «حماس»، وإنهاء تهديد القضية الفلسطينية لمستقبل إسرائيل، وإبراز التفوق العسكري لدفع الجيران للاستسلام، وأخيراً وليس آخِراً متاعب رئيس الوزراء الإسرائيلي مع القضاء. لكن هذا جانب واحد، فلماذا هذا الضعف تجاه الحروب الإسرائيلية من جانب الرئيس ترامب وإدارته؟ مع أنّ معظم الأهداف الرئيسية يمكن الوصول إليها بالصبر والتفاوض، وهو ما يشير إليه ترامب دائماً عندما يذكر الاتفاقيات الإبراهيمية، لماذا هذا الاستسهال للحرب والدم، مع أنه ليس في تاريخ إسرائيل المعاصر هزيمة ولا انظلام فادح؟! ولماذا هذه الاستجابة الأميركية لمطامح ومطامع نتنياهو رغم اعتبار ترامب نفسَه صانعاً للسلام ومُخرجاً من الحروب؟ هل يكون السبب شدة الاعتزاز بقوة السلاح الأميركي؟ أم السبب طبيعة الإدارة الأميركية في عهده والتي يغلب عليها الطابع اليميني المائل إلى نتنياهو وحلفائه؟
ما يجري حول اتفاق وقف النار في غزة وضرورة الانتقال إلى المرحلة الثانية بعد تحرير الأسرى، هو أكبر اختبارٍ للرئيس ترامب باعتباره صانعاً للسلام، أو يتوقف كل رهانٍ عربي وإسلامي وأوروبي على إرادته القوية لصنع السلام في فلسطين وأوكرانيا!
*أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية
إقرأ المزيد