دورة جديدة لبرنامج محمد بن راشد لإعداد القادة
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

في عالم تتسارع فيه التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية، بات إعداد القادة ضرورة استراتيجية. ومن هذا المنطلق، جاء إطلاق الدورة الجديدة من برنامج محمد بن راشد لإعداد القادة (دفعة 2025–2026) ليؤكد استمرارية نهج دولة الإمارات الراسخ في الاستثمار في الإنسان، باعتباره المحرك الأول لمسيرة التنمية الوطنية، والضامن لاستدامة الإنجاز وريادة المستقبل.
والحاصل أن هذا البرنامج يمثّل إحدى المبادرات القيادية الأكثر تأثيراً في المنطقة، ويكرّس رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في بناء جيل من القادة القادرين على التفكير برؤية عالمية والعمل بمنهج شامل يجمع بين الطموح والمسؤولية.
ومنذ تأسيسه، مثّل البرنامج مدرسةً حقيقيةً لتخريج قيادات وطنية تتمتع بقدرات استراتيجية ومهارات تنفيذية متقدمة. أما اليوم، ومع انطلاق الدفعة الجديدة، فإن البرنامج يدخل مرحلةً أكثر عمقاً ونضجاً من حيث الرؤية والمحتوى والأثر. فخلال 9 أشهر من التدريب المكثف، يخضع 30 منتسباً يمثلون 15 قطاعاً حيوياً لتجربة فريدة تجمع بين المسارات النظرية والتطبيقية، وتشمل التعاون مع 14 مؤسسة دولية مرموقة، والاستفادة من خبرات 80 خبيراً عالمياً و20 قائداً إماراتياً، ما يجعل البرنامجَ منصةً عالميةً ذات بعد وطني، تُسهم في تأهيل كفاءات قادرة على قيادة التحولات الكبرى في مختلف المجالات الحيوية.
ولا يقف البرنامج عند حدود التدريب الأكاديمي أو النظري، بل يتبنّى نهجاً عملياً يقوم على الدمج بين المعرفة والخبرة الميدانية. فالمنتسبون لا يتلقون المحاضرات فحسب، بل يشاركون في تطوير 6 مشاريع تحولية تخدم خطط التنمية في قطاعات التعليم، والصحة، والبيئة، والبنية التحتية، والسياحة، والاقتصاد المتنوع، وهي مجالات تمثّل عصب المستقبل الاقتصادي والاجتماعي لدولة الإمارات. وتتيح هذه المشاريع للمشاركين تطبيق ما تعلموه في بيئة واقعية، والتفكير بأسلوب ابتكاري يعزز قدرتَهم على اتخاذ القرار، وإدارة الفِرق، وصياغة الحلول المستدامة. ويُعد هذا الجانب العملي أحد أسرار نجاح البرنامج واستمرارية تأثيره، لأنه يحول المفاهيم إلى ممارسات، والرؤى إلى نتائج ملموسة.
ولعل ما يميز هذه الدورة أيضاً هو عمق المنظومة القيادية التي تقوم عليها، إذ يركّز البرنامجُ على تطوير 8 قدرات أساسية تمثل جوهر فكر القيادة لدى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهي الاستشراف الاستراتيجي، والمواطنة العالمية، والتفكير الريادي، والالتزام، وخلق القيمة، والتنوع والمشاركة، والاهتمام بالإنسان أولاً، وتنمية المرونة وشغف المعرفة. ولا شك في أن هذه القدرات هي منظومة متكاملة تسعى إلى صناعة قائد متوازن يجمع بين الرؤية الإنسانية والفكر العملي، وبين الطموح الشخصي والولاء الوطني. ويعزّز هذا التوجهَ وجودُ مرشدين تنفيذيين يرافقون كل مشارك طوال فترة البرنامج، يقدمون له الدعمَ والتوجيهَ والمشورةَ، ويساعدونه على تطوير استراتيجيات مهنية وشخصية تحقق التوازنَ بين الطموح والمسؤولية.
ويمتد البعد العالمي للبرنامج من خلال رحلتين تدريبيتين إلى اليابان والمملكة المتحدة، حيث يطّلع المشاركون على أفضل التجارب في القيادة والإدارة، ويتفاعلون مع خبراء وصناع قرار من خلفيات وثقافات مختلفة. ففلسفة البرنامج تقوم على أن القيادة الحقيقية لا تُكتسب من الجانب النظري وحده، بل من التجربة والانفتاح والتعلّم من الآخر، مع الحفاظ على الهوية الوطنية كأساس لكل تطور. ومن خلال هذا المزيج من التعلم المحلي والعالمي، يتشكل نموذجٌ قياديٌ جديدٌ يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين الانتماء الوطني والرؤية الكونية.
إن الدورة الجديدة من برنامج محمد بن راشد لإعداد القادة ليست مجرد محطة تدريبية، بل خطوة استراتيجية نحو بناء جيل جديد من القادة الذين يفكرون بعقلية استشرافية، ويتحركون بثقة، ويؤمنون بأن خدمة الوطن تبدأ من تطوير الذات والمعرفة. ومع كل دفعة جديدة، تتجدد رسالة البرنامج في تمكين الموهوبين ليكونوا صناع المستقبل. وعندما يلتقي خريجو هذه الدورة في «ملتقى محمد بن راشد للقادة»، لن يكون الاحتفال مجرد نهاية لرحلة تعليمية، بل تتويجاً لمسار وطني متكامل يؤمن بأن القيادة في الإمارات ليست امتيازاً، بل مسؤولية، وأن بناء القادة هو الطريق الأمثل لضمان استمرار نهضة الوطن وتفوقه في عالم لا يتوقف عن التغيير.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. 

 

 



إقرأ المزيد