دول الخليج والتهديدات السيبرانية.. جهود مشتركة
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

في ظل التطور المتسارع في التقنيات الرقمية واعتماد دول العالم على الأنظمة الإلكترونية في إدارة شؤونها الاقتصادية والأمنية والخدمية، أصبحت التهديدات السيبرانية من أبرز التحديات التي تواجه الدول والمجتمعات، لاسيما في منطقة الخليج العربي التي تشهد نمواً رقمياً كبيراً ومشروعاتٍ وطنيةً ضخمةً في إطار الرؤى التنموية المستقبلية التي تنتهجها. وانطلاقاً من هذا الواقع تأتي الحاجة الملحّة إلى توحيد الجهود بين الدول الخليجية في مواجهة التهديدات السيبرانية الجديدة، وتعزيز التعاون والتنسيق المشترك لحماية البنية التحتية الرقمية والحفاظ على أمن المعلومات الوطني والإقليمي. وقد أدركت دول مجلس التعاون الخليجي مبكراً أهميةَ الأمن السيبراني كدعامة أساسية من دعائم الأمن الوطني، فعملت على إنشاء مراكز وهيئات وطنية متخصصة، وإطلاق استراتيجيات جديدة شاملة لحماية الأمن السيبراني. 
إلا أن التهديدات الرقمية الجديدة تتجاوز الحدودَ الوطنيةَ، حيث إن الهجمات الإلكترونية لا تعترف بالجغرافيا، بل تستهدف المصالحَ الحيوية للدول في أي منطقة من العالم. ومن هنا يصبح التعاون الإقليمي الخليجي ضرورة استراتيجية مُلحَّة وليس خياراً ثانوياً أو عملا ترفياً، وذلك لضمان الحماية المعلوماتية الجماعية وتعزيز منظومة الدفاع الرقمي المشترك. 
ويمثّل مجلس التعاون لدول الخليج العربية منصةً مثالية لإدارة وتنسيق هذه الجهود، وذلك عبر مسارات متعددة، مثل تبادل المعلومات والخبرات الفنية بين الدول الأعضاء، ووضع إطار موحد يُعنى بالاستجابة للحوادث السيبرانية، وتطوير أنظمة إنذار مبكر قادرة على رصد التهديدات والتصدي لها بالسرعة والفعالية اللازمتين. كما يمكن تعزيز التعاون الجماعي عبر تنفيذ تدريبات مشتركة، وإنشاء شبكة خليجية للاتصالات الآمنة بين المراكز الوطنية للأمن السيبراني. 
وتسعى دول التعاون الخليجي إلى تحقيق التحول الرقمي الآمن ضمن الإطار الاستراتيجي لرؤاها الوطنية، مثل «رؤية السعودية 2030»، و«رؤية الإمارات 2071»، و«رؤية الكويت 2035».. إلخ. غير أن تحقيق هذه الطموحات يتطلب بيئةً رقميةً محميةً من الهجمات والاختراقات، مما يجعل الأمن السيبراني جزءاً أساسياً من الأمن القومي الخليجي، وعنصراً محورياً في حماية الاقتصاد والطاقة والبنية التحتية الحيوية. كما أن التهديدات السيبرانية قد تتطور لتشمل مجالاتٍ حساسةً، مثل المصارف، والطاقة، والاتصالات، بل وحتى البيانات الشخصية للسكان. لذا، فمن شأن التكامل الخليجي في هذا المجال أن يمنح المنطقةَ قدرةً أكبر على مواجهة التحديات المشتركة وبناء درع رقمية موحَّدة تحمي المصالحَ الوطنيةَ والجماعية في الوقت ذاته. 
وأخيراً، فإن مواجهة التهديدات السيبرانية خلال السنوات القادمة تتطلب رؤيةً خليجية مشتركة وتعاوناً فعّالاً يقوم على تبادل المعلومات، وتوحيد الجهود التشريعية والتقنية، والاستثمار في الكوادر الوطنية المؤهلة. فالأمن السيبراني لم يعد مجرد مسألة تقنيةً، بل أصبح قضيةً سياديةً وأمنية كبرى تمسّ استقرارَ المنطقة ومستقبلها الرقمي، ولا يمكن ضمانه إلا من خلال سياسات خليجية مشتركة تحفظ الأمنَ وتضمن الازدهارَ للجميع.


*كاتب كويتي



إقرأ المزيد