الوضع الاقتصادي.. مصدر استياء «الجمهوريين»!
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

لا يُعد اختلاف وجهات نظر «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» بشأن الاقتصاد مفاجأة صادمة للكثيرين، غير أن التركيز على الانقسام الحزبي يحجب الصورة الأكبر، وهي أن الأغلبية في كلا الحزبين يعتقدون أن الاقتصاد ليس في حال جيدة.
ويعتبر ذلك خبراً سيئاً للحزب «الديمقراطي»، الحاكم حالياً، والذي حظي تاريخياً بثقة أكبر في إدارة الاقتصاد. كما أنه خبر سيئ لترامب، رغم أن انتخابه اعتمد على عوامل ثقافية عديدة، فإن الرجل صاحب مشهد السلم المتحرك الذهبي، الذي نزل منه في برج ترامب عام 2015 أثناء إعلانه الترشح للرئاسة، كان يُفترض أن ينتشلنا من الركود الاقتصادي الذي تسبّب فيه بايدن.
ووفقاً لبيانات جديدة أصدرها مركز «بيو للأبحاث»، يعتقد 44% فقط من «الجمهوريين» أن حالة الاقتصاد ممتازة أو جيدة، ويمكن مقارنة هذه الأرقام بالتأييد الكبير من الناخبين «الجمهوريين» في بداية عهد ترامب عقب جائحة كوفيد-19 والتي وصلت إلى 81%.
ويعتقد 10% فقط من «الديمقراطيين» أن حالة الاقتصاد جيدة، بانخفاض 30 نقطة مئوية مما كان عليه خلال معظم فترة ولاية ترامب الأولى، حينما كانوا غير متحمسين مثل «الجمهوريين»، لكن الكثيرين كانوا يرون الاقتصاد في وضع جيد، وحتى أقل من فترات سابقة في رئاسة بايدن. أما المستقلون فهم أقل حماساً إذ يرى 74% منهم أن الاقتصاد ضعيف.ورغم تراجع معدلات التضخم، مع بقائه مرتفعاً نسبياً، فإن هذا ليس هو الاقتصاد الوردي الذي توقعه الكثير من الناخبين بعد اقتصاد بايدن، فلا يزال التوظيف بطيئاً، وأسعار السلع والسكن مرتفعة، وشروط الائتمان محدودة، أما النمو في الناتج المحلي الإجمالي فهو مدعوم بانخفاض الواردات أكثر من كونه نتيجة لزيادة الاستهلاك. وفي حين يواصل سوق الأوراق المالية صعوده، هناك مؤشرات على وجود فقاعة مالية وشيكة، فأسعار الذهب، التي عادة ما تكون مقياساً لمخاوف المستثمرين، آخذة في الارتفاع.
ولا يوحي الوضع العام بالازدهار بل بالركود، كما لو كان الأمر مخطط له، وهو ما يفسر المزاج الاقتصادي السلبي السائد.
وحتى لو كنا في عصر نمو اقتصادي مزدهر، فإن السياسة تجعل من الصعب إدراك الحقيقة والتوافق حولها، ويرجع ذلك إلى الاستقطاب الحاد، وأيضاً إلى اختلاف وجهات النظر حول ماهية الاقتصاد الجيد.
وبشكل عام، قد يفضّل «الجمهوريون» اقتصاداً يتميز بنمو قوي وضرائب منخفضة وقيود تنظيمية محدودة، بينما قد يتقبل «الديمقراطيون» نمواً أقل إذا كان ذلك يعني انخفاض التفاوت في الدخل وتحقيق توزيع أكثر عدلاً للثروة. ولهذا بنظر الأشخاص ذوي التوجهات السياسية المختلفة إلى الاقتصاد نفسه لكنهم يقيمونه بشكل متباين.
علاوة على ذلك، علينا جميعاً توخي الحذر من ربط الرفاهية الاقتصادية بشكل وثيق بالسلطة الرئاسية، فالاقتصادات تتحرك صعوداً وهبوطاً لأسباب عديدة خارجة عن سيطرة الحكام، مثل الحروب وتراكم الديون بين الأجيال، والتطورات التكنولوجية والأوبئة.
لكن القيادة السياسية تظل مهمة أيضاً، والأمر اللافت في بيانات مركز «بيو» أن أغلب «الجمهوريين»، بنسبة 53%، يعتقدون أن سياسة ترامب إما ليست مؤثرة أو أنها تجعل الاقتصاد أسوأ. وهو ما لا يمكن تفسيره على أنه مجرد انطباعات عامة.
ورغم التخفيضات الضريبية الهائلة في مشروع قانون المصالحة موسم الصيف الحالي، وتقليص أعداد الموظفين في القطاع العام، وهي أمور يفترض أن تلقي ترحيباً من «الجمهوريين»، فإن الرسوم الجمركية وحالة عدم اليقين السياسي تلقي بظلالها السلبية على المشهد. وعندما يقارن الناخب بين التخفيضات الضريبية التي جاء بها «مشروع قانون واحد كبير وجميل» وبين ارتفاع أسعار جميع المنتجات بدءاً من الأغذية وحتى الملابس، نتيجة الرسوم الجمركية، فإن الشعور العام يشابه شعور الركض في المكان.
وقد يرى أنصار حركة «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» أن سياسات ترامب الاقتصادية سوف تعيد الوظائف الصناعية إلى الولايات المتحدة، حيث نبذل جهوداً حثيثة الآن لوضع أسس جديدة للازدهار في المستقبل. كما أن بناء مصانع حديثة واستحداث سلاسل التوريد، هو أمر يتطلب وقتاً وصبراً ليصبح المستقبل أفضل. إلا أن الناخبين «الجمهوريين» لم يعودوا يصدقون ذلك، وتتراجع نسبة من يتوقعون ازدهار الاقتصاد في العام المقبل منهم سريعاً، من 73% في فبراير إلى 55% في الشهر الماضي، أما بين «الديمقراطيين» فلا تتجاوز هذه النسبة 6%.
ولكن «الديمقراطيين» يرون فرصة لاستغلال الوضع الاقتصادي الجديد، ويدور النقاش بين النخب الساحلية، الطبقة المثقفة الثرية ذات النفوذ التي تعيش في المدن الساحلية الكبرى، حول ما يُعرف بـ«أجندة الوفرة»، التي تمزج بين الليبرالية التقليدية، التي تسعى إلى تقليل البيروقراطية، وبين الاستثمار العام الضخم. بينما يتجه آخرون، مثل المرشح لمنصب عمدة مدينة نيويورك زهران ممداني، إلى الاشتراكية المتشددة، ويقترحون أن تدير الحكومة متاجر البقالة وتفرض ضوابط على الأسعار.
ويبقى أن نرى ما الذي يخبئه «الجمهوريون» في جعبتهم، فالحزب الحاكم لا يحتاج إلى أن يكون مكافحاً ومبدعاً، لأنه حصل بالفعل على الجائزة أي أنه يمتلك السلطة، لكن البقاء في السلطة أمر مختلف، فالناخبون عادة ما يطالبون بالتغيير إذا ما تضررت حالتهم المادية.لذلك ينبغي أن يشجع هذا المزاج الاقتصادي السيئ الحزب «الجمهوري» على تبني فكر اقتصادي جديد، أو بالأحرى التخلي عن تلك الطاقة الاقتصادية الجديدة لصالح القديمة التي فضلّها قطاع كبير من المواطنين من كلا الحزبين خلال فترة ولاية ترامب الأولى.
*مديرة السياسات الاقتصادية في معهد «أميركان إنتربرايز» سابقاً.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»



إقرأ المزيد