جريدة الإتحاد - 1/21/2025 12:03:35 AM - GMT (+4 )
مع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل يوم الأحد الماضي، لا أدري لماذا ألحت عليَّ فكرة المقارنة مع الطريقة التي انتهى بها العدوان الإسرائيلي على غزة في ديسمبر2008 - يناير2009، وذلك رغم البون الشاسع بينه وبين العمليات الإسرائيلية في غزة اعتباراً من 8 أكتوبر2023، والتي وصفها الكثيرون بالإبادة الجماعية، ويكفي أن عدوان ديسمبر2008 - يناير 2009 قد استمر 23 يوماً، بينما امتدت الاعتداءات الإسرائيلية على غزة471 يوماً بالتمام والكمال، كذلك فإن ضحايا العدوان من الفلسطينيين المدنيين والعسكريين في العدوان الأول تجاوزوا الألف بقليل، فيما بلغ عدد الشهداء من المدنيين في العدوان الأخير قرابة الـ 50 ألفاً، ولم يصل رقم المصابين في 2008-2009 إلى 5 آلاف، بينما تجاوز الـ 100ألف هذه المرة، فمن أين أتت فكرة المقارنة بين اتفاقي وقف إطلاق النار في الحالتين؟
بطبيعة الحال يمكن القول بأنهما رغم الاختلافات الواضحة بينهما، فإنهما يأتيان في سياق المواجهات العسكرية في غزة بين قوات الاحتلال الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية، لكن ما لفتني أن توقيت الاتفاقين كان واحداً، وكذلك ظروف موضوعية أحاطت بهما سأعرض لها حالاً، فقد تم وقف إطلاق النار في عدوان ديسمبر2008 - يناير 2009 يوم 18يناير، وكذلك الحال في العدوان الحالي. وفي الحالتين فإن هذا التاريخ سبق تنصيب رئيس أميركي جديد بيومين، وهو باراك أوباما (2009-2017) ودونالد ترامب في حالتنا، الذي تبدأ ولايته الجديدة في 20 يناير2025، فهل لهذا أي دلالات؟
كان العدوان الإسرائيلي في 2008 - 2009 بمعايير تلك الأيام عدواناً همجياً، وقرأت في ذلك الوقت تقريراً له درجة عالية من الصدقية، وإنْ لم أتمكن من توثيقه أبداً، أن أوباما أو من يتحدث بلسانه قد بعث للقيادة الإسرائيلية برسالة مفادها أن تنصيبه رئيساً لا يمكن أن يتم مع استمرار أعمال العدوان، وقد كان وتوقفت الهجمات الإسرائيلية في 18 يناير، أي قبل التنصيب بيومين، وفي هذه المرة اختلف السياق بطبيعة الحال، لكن ترامب وضعها بطريقته، وهي أن حل مشكلة تحرير الأسرى والرهائن لا بد أن يتم قبل دخوله البيت الأبيض، ومعروفة تصريحاته التي أثارت جدلاً عن الجحيم الذي سيشهده الشرق الأوسط ما لم يتم حل هذه المشكلة.
ومن الواضح أن حضور ممثل عنه في المفاوضات بكافة أبعادها كان له تأثير واضح، إن لم يكن حاسماً على نجاح المفاوضات التي نذكر أنها امتدت لأكثر من سنة، بعد فشل الهدنة الأولى في نوفمبر2023، وأن إدارة بايدن ممثلة فيه وفي وزير خارجيته ومساعديه، قد أمطرونا عبر الشهور بتصريحات متكررة، مفادها أن ماراثون المفاوضات يقترب من نقطة النهاية، لكن الإخفاق كان دائماً هو المصير، لدرجة أنني رغم كل المؤشرات على قرب التوصل إلى اتفاق هذه المرة كنت أشك في إمكان التوصل إليه بسبب ما هو معروف عن عدم رغبة نتنياهو في إنهاء القتال، لكني بدأت أُغير رأيي مع الانخراط المكثف لرجال ترامب في المفاوضات، والدلالة الواضحة لذلك أنه عندما تريد الولايات المتحدة شيئاً فإن إسرائيل ليس بمقدورها إلا الانصياع، وقد يختلف قادتها مع سياسة لرئيس أميركي، لكنهم لا يستطيعون تحديه إذا كانت هذه السياسة تحقق مصلحة أميركية، أما ما يُقال أحياناً من أن إسرائيل تهيمن على السياسة الأميركية فإن هذا ما يبدو لنا، لأن هذه السياسة لا تلبي لإسرائيل إلا ما يحقق المصالح الأميركية، والله أعلم.
أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة
إقرأ المزيد