جريدة الإتحاد - 6/1/2025 11:37:22 PM - GMT (+4 )

تتصاعد المواقف الأوروبية المستنكرة لحرب الإبادة التي تشنها حكومة بنيامين نتنياهو على الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث تتواصل سياسة التجويع الممنهج منذ الثاني من مارس لنحو 2.4 مليون فلسطيني في القطاع، عبر إغلاق المعابر في وجه المساعدات الإنسانية التي تتكدس على الحدود، مما أدخل القطاع في مرحلةِ مجاعةٍ موديةٍ بحياة الكثيرين، وبخاصة الأطفال، في الوقت الذي بدأ فيه الجيش الإسرائيلي بتوسيع عملياته العسكرية، معلناً عن عملية برية في شمالي وجنوبي القطاع خلفت حتى الآن مئات القتلى. كل ذلك دفع عواصم أوروبية عدة إلى التعبير عن تململ متزايد إزاء سياسات الحكومة الإسرائيلية، فظهر جلياً تصاعد الخطاب الأوروبي المنتقد لإسرائيل، وظهرت تصريحات ومواقف علنية حادة لساسة أوروبيين ينتقدون السياسةَ الإسرائيلية في غزة.
وقد تراوحت هذه المواقف بين تعليق الاتفاقيات والمطالبة بفرض العقوبات واستدعاء السفراء. تشكل ألمانيا، ولأسباب تاريخية معروفة، أحد أبرز داعمي إسرائيل في أوروبا، إلا أن المستشار الألماني فريدريش ميرتس أعلن أن بلادَه لم تعد قادرة على فهم أهداف الحملة العسكرية الإسرائيلية، محذِّراً من أنها قد تتوقف عن دعم الحكومة الإسرائيلية إذا استمرت الانتهاكات بحق المدنيين.
وقال ميرتس إن «ما يتعرض له المدنيون في قطاع غزة لم يعد يُبرّر بمحاربة إرهاب حماس». وهو موقف ألماني غير مسبوق. كما حذّر وزيرُ الخارجية الألماني إسرائيلَ من إمكانية وقف تصدير الأسلحة التي قد تُستخدم في ارتكاب انتهاكات جديدة. وفي مطلع مايو أصدرت ست دول أوروبية (أيرلندا، إسبانيا، سلوفينيا، لوكسمبورغ، النرويج، وآيسلندا) بياناً مشتركاً رفضت فيه محاولات إسرائيل تغييرَ ديموغرافية غزة وتهجير سكانها باعتبار ذلك جريمة وفق القانون الدولي. وأكدت هذه الدول على أن غزة «جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين». كما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني، في بيان مشترك، يوم 20 مايو، عن معارضتهم «بشدة لتوسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة»، قائلين إنهم لن يقفوا «مكتوفي الأيدي» إزاء «الأفعال المشينة» لحكومة نتنياهو في غزة، ملوّحين بـ «إجراءات ملموسة» ضدها إذا لم تبادر بوقف عمليتها العسكرية وإتاحة دخول المساعدات الإنسانية. لقد أدت سياسة حكومة نتنياهو وصور الموت القادمة من غزة إلى تغيير في المزاج السياسي الأوروبي، وأعلنت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي (ورئيسة وزراء إستونيا السابقة)، المعروفة بقربها من إسرائيل، في العشرين من مايو، موافقةَ 17 دولة عضواً على إطلاق عملية مراجعة لمدى التزام إسرائيل بمضمون اتفاقية الشراكة التي تربطها بالاتحاد الأوروبي، خصوصاً ما يرتبط منها باحترام حقوق الإنسان. المساءلة الأوروبية لإسرائيل حول حقوق الإنسان قد تبدو متأخرةً في سياقها الزمني، نظراً لأن أجهزة الأمم المتحدة، كمحكمة العدل الدولية، سبق وأدانت إسرائيل، والمحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرات اعتقالات بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت، لاتهامهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
كما تكرر صدور الإدانات عن الوكالات الأممية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية لسياسات التجويع وحرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، حيث قالت منظمة الصحة العالمية إن غزة تواجه إحدى أسوأ أزمات الجوع عالمياً، في توصيف يقارب التجويع كجريمة حرب أو حتى جريمة إبادة محتملة. المواقف السياسية الأوروبية رغم محدودية تأثيرها، إلا أنها خطوة لكسر الدعم الأوروبي التقليدي اللامشروط لإسرائيل، تحت وطأة الضغط المجتمعي والإعلامي المتراكم.
ولذا فقد انتقل الخطاب السياسي الأوروبي حيال إسرائيل تدريجياً من التحفظ إلى الإدانة، ومن ثم إلى استخدام أدوات الضغط الاقتصادية والسياسية، كالتلويح بمراجعة الاتفاقيات وتعليق الشراكات وتقييد العلاقات الدبلوماسية.. فهل يتطور الموقف الأوروبي إلى تدابير ملموسة أكثر صرامة وجدية؟
*كاتبة إماراتية
إقرأ المزيد