جريدة الإتحاد - 6/22/2025 10:52:32 PM - GMT (+4 )

لا تزال منطقة الشرق الأوسط تعيش في دوامة مستمرة من الأزمات والصراعات، تتنقل بين دولها وكأنها قدَر المنطقة الذي لا يمكن الفِكاك منه. فكلّما هدأَ ركنٌ من أركان المنطقة اشتعل آخر، في مشهد لا ينتهي.واليوم، تقف المنطقة أمام واحد من أخطر المنعطفات في تاريخها الحديث، بعدما دخلت إسرائيل وإيران في مواجهة مباشرة غير مسبوقة، بدأت بضربات إسرائيلية مباغتة ضد أهداف نووية وصاروخية داخل إيران، وردّت عليها طهران بسرعة وقوة غير معهودتَين، ما أدى إلى تصاعد التوتر بوتيرة مقلِقة، وسط تحذيرات دولية وإقليمية من انزلاق هذا التصعيد إلى حرب شاملة قد تخرُج عن السيطرة.
من المؤكد أن الحرب لم تكن يوماً وسيلة فاعلة لحلّ الخلافات والصراعات، أو تجاوز الأزمات والمشكلات، بل إنّها تفتح أبواباً واسعة للدمار، وتخلق الضغائن والأحقاء التي لا تهدأ ولا يمكن طيُّها أو نسيانها، كما تُخلّف وراءها كوارث بشرية واقتصادية يصعب احتواؤها لعقود.
والحرب الحالية بين إسرائيل وإيران، سواء كانت محدودة أو موسّعة، لن تكون في مصلحة أيّ من الطرفين، بل لن يخرُج منها فائز أو منتصر. وقد أثبتت التجارب أن إشعال الحرب قد يكون قراراً سريعاً وأمراً سهلاً، ولكن إيقافها أمرٌ صعْب ومعقّد، ونتائجُها في الغالب لا يمكن التنبّؤ بها. وما يحدث من دمار واسع على الجانبين الإيراني والإسرائيلي، طالَ المنشآت المدنية والبنية التحتية الصناعية والاقتصادية ومؤسّسات إنتاج الطاقة، يؤكد حقيقة أن الجميع خاسر في هذه الحرب.
وما بين إسرائيل وإيران، هناك دول المنطقة وشعوبها، التي لا شكَّ قد تدفع ثمناً لهذه الحرب، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فالتوترات الإقليمية تُضعِف الاستقرار العام، وتؤثر على أسواق النفط والتجارة والاستثمار، وتزيد من احتمالات العنف والتطرف.
لقد أدركت دول الخليج العربية، وفي مقدّمتها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، منذ وقت طويل، أن الاستقرار هو المدخل الوحيد لتحقيق التنمية المستدامة، وأن الصراعات المسلّحة لا تجلب سوى الخسائر، لذا، كان موقفها واضحاً في الدعوة إلى ضبط النفس، ورفض التصعيد، والدفع نحو الحلول السياسية والحوار.
وقد تحرّكت الدبلوماسية الخليجية بشكل فاعل، خلال الأيام الماضية، للتواصل مع جميع الأطراف المعنيّة، في مسعى حثيث لاحتواء التوتر، ومنع انزلاق الأوضاع نحو مواجهة شاملة.
وتؤمِن هذه الدول بأن السلام استراتيجية راسخة تقوم على بناء الجسور، وتعزيز التعاون، وتقديم الحلول العملية لتسوية الخلافات. وهذه الرؤية باتت أكثر إلحاحاً في ظل التحديات العالمية الراهنة، من تغيرات مناخية إلى اضطرابات اقتصادية، تتطلّب من دول المنطقة التركيز على برامج التنمية والرفاه، لا الانخراط في مغامرات عسكرية لا طائل منها.
وختاماً، تقتضي المصلحة الجماعية المشتركة لدول المنطقة، وشعوبها كافة، وقف التصعيد، والانخراط في مسار تفاوضي جادّ، لأن الحرب، مهما بدَت مبرَّرة أحياناً، فلن تأتي سوى بالمزيد من الدمار، بينما يحمِل السلام وحده فرصة حقيقية لبناء مستقبل آمن ومزدهر للجميع.
إنّ وقف التصعيد، والعودة إلى طاولة المفاوضات، هما السبيل الوحيد لإنقاذ المنطقة، وإتاحة الفرصة لها للاستمرار في تحقيق طموحاتها التنموية، في ظل حالة من الاستقرار الذي يضمَن إقامة تعاون قائم على تبادل المنافع، وتشارك المصالح.
*مديرة إدارة النشر العلمي - مركز تريندز للبحوث والاستشارات
إقرأ المزيد