جريدة الإتحاد - 8/15/2025 11:49:46 PM - GMT (+4 )

تمر أقطار العالم النامي بأزمات عدة على صُعدها الداخلية، ومن هذه الأزمات يمكن ذكر أزمة النخب المثقفة ودور هذه النخب في تنمية الأقطار المعنية من عدة نواحٍ، أهمها الصُعد الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والسياسية.
إن فحص أدوار النخب المثقفة في دول العالم النامي يلقي الضوء على انعكاس هذه الأدوار على مستقبل جميع الأقطار النامية. وينطلق التعامل مع هذه القضية أساساً من ملاحظات مراقب، يمكن وصفه بأنه ينتمي إلى المجتمعات محل الظاهرة، بمعنى أنها ملاحظات عضو داخلي من أعضاء هذه المجتمعات. هذه الوضعية يمكن أن ينتج عنها ما سيلاحظه القارئ من وجود معايشة تعكس الحس الشخصي لكاتب سلسلة المقالات هذه، لكن ما نأمله هو ألا تثير الأفكار التي سنطرحها شيئاً من الحساسية لدى بعض دول العالم النامي، من منطلق أن الإنسان المثقف في دول الخليج العربي يعيش في بحبوحة من العيش، وليس له علاقة بما يعانيه المثقفون في دول العالم النامي الأخرى.
ربما يكون المفكر العربي إيليا حريق، هو أول من رسم الصورة الواقعية لحالة النخبة في إطارها العام في دول العالم النامي، وقام بمناقشة حالة النخبة المثقفة بشكل خاص، ومنذ ذلك الوقت الذي بدأ فيه إيليا حريق في طرح أفكاره حول النخب المثقفة في دول العالم النامي ظهرت العديد من الأعمال العلمية والمقالات الفكرية، التي تتحدث حول واقع النخب المثقفة في دول العالم النامي. بضع تلك الأعمال يتحدث حول تجارب قُطرية محددة في إطار وضع النخب المثقفة في الأقطار المعنية كجزء من النخبة السياسية.
لكن الملاحظ على جميع الأعمال المتعلقة بالنخب المثقفة، هو أنها تتحدث عن تأثير التعليم الغربي «أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية» بمفاهيمه الأعرض والأعم على تفكير وممارسات أعضاء النخب المثقفة في دول العالم النامي، بما في ذلك المثقفون في دول العالم العربي.
بعد انهيار تجارب الحكم البرلماني على الطريقة الغربية في معظم أقطار العالم النامي، وظهور النظم السياسية القائمة على حكم العسكر، تم نشر مجموعة كبيرة من الدراسات، التي ناقش فيها أصحابها أوضاع أعضاء النخب سواء كانت سياسية أم مثقفة وهم في لباسهم العسكري. في معظم تلك الدراسات تتم مناقشة أعضاء النخب المثقفة -كممارسين لعمليات التحديث- للأهداف والتطلعات الجديدة للمجتمعات التي يعيشون فيها، هذا بالإضافة إلى أوضاعهم ومواقفهم الاجتماعية كدرع ضد تفتت الدولة وانهيار المجتمع. في مشاهد أخرى يتم تصوير أعضاء النخب المثقفة أحياناً بأنهم بشر مهضومو الحقوق ومعذبون يعانون التهميش وعدم الاكتراث بملكاتهم العلمية والثقافية ومناقبهم الأخلاقية.
يحدث ذلك ليس من قبل الدولة أو المجتمع الذي يعيش فيه أعضاء النخب المثقفة، ولكن من قبل شعورهم الخاص بالاغتراب النابع من الصدام بين الثقافتين المحلية، التي ينتمي إليها أعضاء النخب المثقفة في كل قُطر معني من أقطار العالم النامي والغربية، وهما ثقافتان ينتمون إليهما، وتعتبران جزءاً من صورتهم تلك التي يرون بها أنفسهم كمؤدين للوظائف، التي لها علاقة بالقيم الإنسانية وصلتها المباشرة بالوضع الخاص الذي يجدون فيه أنفسهم وبالمناهج التي يسعون من خلالها إلى تحقيق أهدافهم المتعلقة بتحديث مجتمعاتهم.
مثقفو العالم النامي يعتبرون أنفسهم باستمرار مهتمين بالمشاكل الثقافية والأخلاقية، أو ما يُسمى بالمشاكل المعيارية المتعلقة بالهوية الوطنية وحرية التعبير عن الذات، وبالهدف والاتجاه، وبالإدراك الحسي.
*كاتب إماراتي
إقرأ المزيد