جريدة الإتحاد - 8/15/2025 11:49:51 PM - GMT (+4 )

لا يوجد فارق كبير بين توجهات إسرائيل الدينية وتحركاتها السياسية والعسكرية في هذا الوقت. وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي حول إسرائيل الكبرى عكست تماهياً حقيقياً بين المخطط الديني والسياسي الراهن، ووراءها المؤسسة الدينية والحاخامية الكبرى في التعامل مع التوغل العسكري الإسرائيلي في دول الجوار، وهذا ترجمة حقيقية لفكر التوراة بالفعل، وفي ظل مسعى لتنفيذ هذا الأمر، وهو ما طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مؤخراً ويعكس ما يخطط له آباء اليمين الديني وقادة الأحزاب الدينية الإسرائيلية برغم بعض الفوارق في الرؤية أو المقاربة، التي يتم العمل عليها في الفترة الراهنة، وفي إطار الأولويات المطروحة التي تتحرك من خلالها دوائر صنع القرار السياسي والأمني، فنتنياهو يظل ممثلاً للمؤسسة الدينة ولحكم اليمين المتشدد بصرف النظر عن أيديولوجيات الأحزاب ومرجعتيها ومع الفارق بين كتل اليمين.
وبالتالي فإن ما يطرح بشأن إسرائيل الكبرى وبصرف النظر عما أبدته الدول العربية من رد فعل، فإن الواقع السياسي في إسرائيل يمضي وفق رؤية شاملة ومتكاملة لتنفيذ مخطط إسرائيلي واضح يحظى بدعم أميركي، ولعلنا نتذكر ما طرحه الرئيس ترامب من أن مساحة إسرائيل صغيرة، ويجب أن تتمدد في نطاقها الجيواستراتيجي، وهو ما يؤكد أن ما يعلنه ويتحرك من خلاله اليمين الإسرائيلي يحظى بقبول ودعم أميركي.
ومن خلال المشاهدة الدقيقة للقاء نتنياهو الذي أطلق خلاله تصريحات تتعلق بإسرائيل الكبرى، يمكن القول إن نتنياهو أرسل رسالة مقصودة وموجهة لكل من يعنيه الأمر. ولا يمكن فصل هذه التصريحات عن طبيعة الموقف الذي قيلت فيه، فالصحفي الذي أجرى المقابلة مع نتنياهو هو الإعلامي المعروف شارون جال، وهو عضو كنيست سابق عن حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني كما لجأ إلى مصطلحات توراتيـة رمزية، معتبراً أن هذه المصطلحات تشير صراحة إلى حدود أرض الميعاد، وبأن مشروع إسرائيل الكبرى لا يزال حياً في أذهان قادة اليمين الإسـرائيلي.
ومن الواضح أن حلم إسرائيل الكبرى من وجهة نظر تل أبيب هو نفسه مشروع «الشرق الأوسط الجديد» في ذهنيتها، وأن إسرائيل تبني أطروحاتها بناء على أساطير دينية متعلقة بأرض الميعاد. ومن الواضح أن نتنياهو اختار انحيازه للمقاربة الدينية التي يمثلها تيار الصهيونية الدينية، والمعروف أن هذا التيار بدأ مشواره السياسي من داخل حزب «ليكود»، الذي عمل على الاستفادة من هذا التيار بالقدر نفسه الذي عمل فيه التيار على الاستفادة من «الحزب» ودخل أعضاء كثر من تيار الصهيونية الدينية داخل حزب الليكود، ثم شكل أقطاب هذا التيار حزب «الصهيونية الدينية» برئاسة سموتريتش وحزب «القوة اليهودية» بزعامة بن غفير.في مقابل ما يطرح من منظور ديني، فإن إسرائيل تعمل على تثبيت مكانتها كقوة إقليمية مهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، وهو هدف استراتيجي يخدم مشروعاتها التوسيعية التي تحمل أبعاداً قومية ودينية متطرفة، غايتها النهائية تكوين إسرائيل الكبرى، فبرغم أن عدد أفراد الجيش الإسرائيلي لا تُقارَن بأعداد أفراد القوات المسلحة لدول الشرق الأوسط، نجد أن إسرائيل دائماً تسعى نحو التفوق في أنظمة الأسلحة والقوة النيرانية، وقدرات الحرب الإلكترونية، وأنظمة الاستخبارات، وغيرها وأسست إسرائيل مخططاتها للشرق الأوسط وفق رؤى استراتيجية طرحت قبل عقود ومنها لـ«أوديد يينون» و«ساول كوهين»، ويدفع بها مؤخراً رئيس الوزراء الإسرائيلي وتحالفه اليميني (وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش) وعدد آخر من الخبراء الاستراتيجيين في مركز البحوث الاستراتيجية.
سيظل هدف بقاء الدولة على رأس أية أولويات إسرائيلية مطروحة خاصة، في ظل تخوف إسرائيل من عدم البقاء في الإقليم برغم ما تملكه من مقدرات حقيقية عسكرياً وعلمياً وتكنولوجياً وأمنياً إلا أن العقيدة الصهيونية تتخوف من حالة الخروج من الإقليم، وأن لا تصل إلى الـ100 عام من عمر الدولة العبرية لهذا تتحدث إسرائيل على لسان رئيس وزرائها عن أهدافها الكبرى للتغطية على ما يجري في الداخل، وفي ظل تبني مقاربة عسكرية كبيرة قد تؤدي إلى ذهاب إسرائيل إلى مواجهات مستمرة لتحقيق طموحاتها في المنطقة، التي ما تزال تتعامل مع إسرائيل بمقاربات مختلفة. ومن ثم فإن تصعيد العمل العسكري إلى أقصى درجاته سيكون وارداً ومستمراً، ولم تتم مراجعته من قبل أي مستوى في إسرائيل بعد أن أصبحت القوة العسكرية هي الخيار الأول والأخير لمواجهة أية مخاطر على حاضر ومستقبل إسرائيل في الإقليم بأكمله.
وبرغم طموحات إسرائيل الكبرى ما زال لديها جدال استراتيجي بشأن النظرية الأمنية ومدى الحاجة إلى تطويرها وتعديلها بعد الإخفاق الأمني والاستخباري الإسرائيلي، وهو ما تجسد بصورة واضحة في الدعوة لبناء نظرية جديدة حتى قبل انتهاء المواجهات الراهنة في مسارح العمليات التي تنشط فيها إسرائيل تخوفاً على مستقبل الدولة بأكملها، وهذا ما يفسر تحرك إسرائيل في مسار القوة بما تملكه من وفرة يجب أن تعمل بها، وتتحرك من خلالها خاصة مع تولي جيل من العسكريين الجدد الذين يتبنون نظرية الحسم في مجال الأمن.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية.
إقرأ المزيد