جريدة الإتحاد - 8/16/2025 12:18:41 AM - GMT (+4 )

العقل الصحيح، الفصيح، الحصيف، ميزان الفكر، يقوده إلى غايات البناء لرواية تاريخية، رزينة، متّزنة، لا تهضم حقاً، ولا تُسرف في تفكير. هكذا نهضت الحضارات، وهكذا شعت نواصٍ، وأمطرت سحابات، وهكذا نجا الإنسان من تدمير أخيه الإنسان، واعتلت البشرية صروح التقدم والازدهار، وتبوأت مكانتها اللائقة، واختصرت عصوراً من الجهل، وطغيان الذات الواهمة.
لا شيء يكسر عصا التفكير أكثر من زوال الشمس عن الوعي، ولا شيء يعيق الغزلان من الوصول إلى ينابيع الماء العذب، أكثر من التهور، فذلك الهلاك برمته، وذلك الاستهلاك لطاقة العقل بلا طائل ولا نتيجة، لأن الإرهاب العقلي هو المشي الأعمى الذي يسبق الوعي، وهو السير نحو الشروخ الغيبية، من دون معنى، ومن دون عقيدة، راسخة تدل على الصواب. ولو التفت الإنسان إلى الحضارات البائدة، ونظر إلى التاريخ، لعرف أنه ما سادت حضارة، ثم بادت، إلا لأنهم كانوا لا يرون أبعد من أخمص القدم، الأمر الذي دفعهم إلى ارتكاب زلات، ثم من بعدها انكسارات، ثم حطام سفن أبحرت في عشية طوفان عقل مأزوم بالجبروت، مهموم بالتّزمت، رابض في كهوف الجاهلية الأولى، متعلق بحبال مشانق التاريخ الوهمي، والخيالات الغامضة، مستنداً على خدع بصرية، وأكاذيب أشبه بالفقاعات، أو السكاكين المسمومة.
اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين تعيش فئات من هذا العالم في حالة دوار ثقافي، وغثيان إدراكي، منهمرة في أتون مياه ساكنة، خاوية من المعنى، تصدر كنايات هائلة من الزبد بعد رغاء، وثغاء، يصم الآذان، ويصيب الإنسان بالتقزز، والاشمئزاز، لأن ما يصدر عن هذه الفئات، يشكّل وصمة عار في جبين الحضارة البشرية، ويصيب العقل المتحضر بأزمة السؤال الوجودي، لماذا هذا يحدث الآن؟ ولكن تظل الإجابة مطمورة في وحل الأسئلة ولا جواب غير المزيد من تسول التحريض على ضرب الحياة، بسياط العنف، والقهر، وإبادة الورد في الحقول الخضراء.
حقيقة العالم بشرقه، وغربة، بحاجة ماسة اليوم وقبل الغد، إلى إعادة صياغة للمفاهيم، وإلى تشكيل فريق عمل إنساني، يقوم بدراسة هذه القفزات الفكرية، المتجهة إلى نيران العدمية، ثم يأتي ليقدم نتائج عملية لا تمسها مخالب الوهمية، ولا تحاذيها الأوهام الغبية. نعم العالم بحاجة إلى وعي جديد، يحرك مكامن الذاكرة الجمعية، لعالمنا بأسره، ليجتمع الكل على كلمة سواء، بأن الحياة على الأرض لن تصدم إلا بدروع من مشاعر الحب، المسنودة بالوعي، تعززها قواعد علمية لا تخضع للأنانية، ولا للعرقية الخادعة، ويجوز للعالم بأن يقول كلمته الفصل، في إيقاف هذا السيل العرم من النابيات من الكلمات، والبذيئات من الأفكار المسمومة، التي لن ينتج عنها سوى تلويث حضارة الإنسان، وتشويه صورته، وكسر خواطر الذين بنوا، وشيدوا، أجمل الحضارات على الكوكب الأخضر.
ونتمنى أن تنهض الضمائر الحية، وتقول لا للتهكم على ثقافة الكل مع الكل، ولا لسرد قصص تشبه الخراريف، عند عجائز زمان، ولا بث الهواء الساخن في وجوه من تعلموا من التاريخ أنه لا حياة للعالم إلا بوحدة المصير، وتعانق النجوم، وعقد القران بين الحقيقة والواقع، حتى تمضي السفينة بسلام، ويسلم أطفال العالم من نيران البطش، والاستلاب.
إقرأ المزيد