فيتنام.. بلد شبع من الرصاص -2-
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

من الأماكن التي كنت حريصاً على رؤيتها أثناء السفر إلى فيتنام، بالإضافة إلى شارع «بوي فيين» أو حي الضوء الأحمر الذي يعد أشهر شوارع مدينة «هو تشي منه»، الصاخبة والمتراصة على جانبيه المقاهي والمطاعم والحانات والفنادق وخدمات الاسترخاء والتدليك الصحي، وهو وجهة مفضلة لدى السياح.
كنت حريصاً على رؤية مكانين، الأول، الجحور التي كان يختبئ فيها الثوار الفيتناميون، ذات الطرق المتعرجة تحت الأرض، والتي يصل بعضها لمسافة أميال، ولا يتسع إلا لجثة فيتنامي خفيف الوزن، مع بندقيته الـ «سيمنوف» ويعلق فيها كل علج، مع بندقيته الـ «م 16» حينما يحاول أن يدخل فيها بجسده الممتلئ فينشب أسفله في الجحر، ويبقى رأسه في الأعلى ليدل عليه الثوار الفيتناميين، وكانت تعرف بكمائن «الزهرة المتفتحة» فبالكاد يمكنك أن ترى شيئاً على السطح، لكن ما إن تصل قوة أميركية مدججة، حتى تتفتح تلك الزهرة ليصبح المكان محاطاً بالثوار، وكأنهم خرجوا من زرع شيطاني تحت الأرض، والحقيقة الرهبة من تلك الأماكن تظل ماثلة للزوار، خاصة من لديهم رهاب الأماكن الضيقة «كلوستروفوبيا»، فالنصيحة أن لا يدخلها؛ لأنه يمكن أن يغمى عليه، أو يصيبه عارض الاختناق وعدم القدرة على التنفس. المكان الثاني الذي كنت أتمنى أن أراه، هو مزارع الرز؛ لأنها رغبة طفولية، وفضول استمر مع النفس طويلاً، وهنا كلمة هامشية، وخروج عن الموضوع أجد الكثير لا يفرق بين الأرز والرز، ويقولون حتى في الصحف طبق الأرز، وأكلنا الأرز، والصحيح هو الرز، أما الأرز فهو شجر ضخم من فصيلة الصنوبريات، ويعرف به لبنان؛ لأنه شعاره الوطني، وتعرفه البلدان الباردة.
أعود لمزارع الرز والتي كنت أجهل تماماً كيفية زراعته، وحصاده، وزاد عجبي حين عرفت أنه يغمر بالماء، وأن هناك أنواعاً كثيرة منه، غير الأبيض الذي لا نعرف غيره، فهناك الأسمر والأخضر والأسود وغيرها من الألوان، ورغم القراءات، إلا أن المشاهدة أمر آخر، فلطالما استهوتني تلك المساحات الواسعة الخضراء، المغمورة بالمياه، والفلاحون يخوضون فيها لمنتصف أقدامهم، وثمة عجائز يعتمرون قبعات من القش، وفلاح يضع على كتفيه عموداً خشبياً أو من الخيزران محملاً على طرفيه ماء أو زاد، تراهم وهم يوزعون شتلات الرز، غرزاً تحت الماء أو ينتقونه حين حصاده، وهي مادة جميلة للذي يعشق التصوير ستكون غنيمته ذاك اليوم وفيرة.
خلال تلك الزيارة رأيت شواهد قبور في منتصف الحقول، وحين سألت قيل لي: إنها عادة عند الفيتناميين أن يدفنوا الجد أو الأب أو كبير العائلة في الحقل لكي يتباركوا به، ويتحسن إنتاج الحقول، ويطرد الأرواح الشريرة، لكن الذي يرى حقول الرز في اليابان والصين فسيمتلكه العجب، ولا بد أن تخرج الآه من الصدر، بعض هذه الحقول يرسمونها وكأنها لوحة طبيعية بألوان مختلفة، وبعضها يرسمون أساطيرهم الشعبية فيها، ويشكلون بين الأرض والخضرة والمياه والرمال لوحات تنتزع الإعجاب والدهشة، والصينيون يربون أنواعاً من الأسماك الصغيرة، ولا تستهلك «أكسجين» بكثرة، تفيد زراعة الرز، وتقلل من استخدام الأسمدة، وتعود هذه الطريقة إلى 1200 سنة، مما تعدها الأمم المتحدة من الطرق الزراعية التقليدية التي يجب المحافظة عليها، شعوب لا يمكنك إلا أن ترفع لهم قبعتك، ولو كانت قبعة مخروطية من قش، مثل قبعة «نون لا» كأي فلاح فيتنامي!



إقرأ المزيد