ترامب وأفق العلاقات الصينية- الأميركية
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

«نجاح كبير»، هكذا وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماع القمة الذي عقده مع نظيره الصيني شي جين بينغ على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ «آبيك» في كوريا الجنوبية. بالمقابل، اختار الجانب الصيني الإحجام عن أي تعليق، حيث لم يصدر أي بيان عن بكين، التي تؤثر الحصول على مزايا فعلية على التحدث عن انتصارات.

غير أنه يمكن القول إنه إذا كانت المظاهر تبدو في صالح دونالد ترامب، فإن الواقع يصبّ في صالح الصين. ذلك أن الرئيس الأميركي، الذي شنّ حرباً تجارية ضد بكين وأعرب عن ثقته في الفوز بها، سرعان ما اضطر للعدول عن معظم مطالبه السابقة. دونالد ترامب تراجع عن تهديداته بفرض رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات الصينية.

ولكن لماذا يمتنع عن الضغط على الصين التي تشتري النفط الروسي، بينما يريد معاقبة الهند التي تفعل الشيء نفسه؟ الواقع أن الصين استخدمت وسيلتين حاسمتين. الأولى هي شراء فول الصويا. ذلك أن الصين كانت قد قلّصت مشترياتها من فول الصويا والمنتجات الزراعية من الولايات المتحدة، مما تسبّب في صعوبات مادية كبيرة للمزارعين الأميركيين، الذين يشكّلون القاعدة الانتخابية لدونالد ترامب، وقصدت منتجين دوليين كباراً مثل الأرجنتين والبرازيل من أجل شرائها. وفي نهاية المطاف، وافقت بكين على زيادة مشترياتها من فول الصويا الأميركي ومنتجات أخرى تحتاجها في كل الأحوال من الولايات المتحدة.

من جهة أخرى، أعلنت الصين مبدأ سريان قوانينها خارج نطاقها الإقليمي في ما يتعلق بالمعادن الأرضية النادرة، بمعنى أنه إذا اشترى المنتجون الأميركيون معادن نادرة من الصين، فإنهم ملزمون بطلب إذْن من بكين حتى يتمكنوا من إعادة تصدير ما صنعوه باستخدام تلك المعادن.

وبذلك يمكن القول إن الولايات المتحدة وقعت في الفخ نفسه الذي تنصبه للآخرين. ذلك أن البلد الذي يعشق استخدام مبدأ تطبيق قوانينه الوطنية خارج حدوده اضطر هذه المرة لتحمّل مقتضياته بدوره، والحال أنه غير معتاد على ذلك. وهكذا، توقّفت التهديدات الأميركية بزيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية بنسبة 100%. غير أن الاتفاق الذي أُعلن عنه لا يعني السلام، وإنما هو أقرب ما يكون إلى هدنة، إذ من المقرر عقد اجتماع آخر بعد عام من الآن.

أما بقية جولة دونالد ترامب الآسيوية، فقد سارت على ما يرام، إذ قبلت اليابان وماليزيا وكوريا الجنوبية، التي زارها ترامب، ليس فقط الرسوم الجمركية غير القانونية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة، ولكن أيضاً الاستثمار فيها بشكل كبير، على حساب مصالحها الاقتصادية بالتأكيد. وفي ذلك بكل تأكيد رسالة إلى الصين، ولهذا، فإنه يجدر بالصين أيضاً أن تفكر مليّاً وتدرك أنها إذا كانت تبدو واثقة من نفسها بشكل مفرط، فإن ذلك قد يدفع اليابان وكوريا الجنوبية وبلدانا أخرى إلى الميل إلى الولايات المتحدة. في نهاية المطاف، يمكن القول إن نتيجة هذه القمة الأميركية الصينية لم تكن مفاجئة: صين متكتمة لا تبدي أي تعبيرات ولا تدلي بأي تصريحات، تتقدم دون أن تعلن عن تقدمها، ولكنها بحاجة للوصول إلى السوق الأميركية من أجل اقتصادها الذي بات أقل حيوية مما كان عليه في فترة ما قبل جائحة كوفيد 19. وولايات متحدة منتشية بالنصر، دون أن تكون قد حققت انتصاراً حقيقياً: إذ على الرغم من التهديدات التي أطلقها دونالد ترامب، إلا أن واشنطن اضطرت إلى التراجع في الأخير. وبالمقابل، أظهرت الصين، من خلال حفاظها على هدوئها ومقاومتها لضغوط واشنطن، أنها دولة لا يمكن للآخرين فرض إرادتهم عليها، على عكس حلفاء الولايات المتحدة الآسيويين والأوروبيين. بل إنه من خلال إظهار قدرتها على مقاومة هجمات دونالد ترامب، استطاعت الصين أن تسجّل نقاطاً، لا سيما إزاء دول الجنوب العالمي. *مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس



إقرأ المزيد