مشكلات أفريقية يصعب احتمالها!
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

 إذا كانت حرب غزة وتداعيات لبنان واليمن قد استعصى على كثيرين منا احتمالُها أو الصبر عليها، فكيف يصبر ذوو العقول وأهل السلام منا ومن غيرنا على الموجة الهائلة الجديدة في أربع دولٍ في غرب أفريقيا وفي السودان، مع التوترات والضربات المستمرة في غزة والضفة ولبنان؟
    التنظيمات المسلحة التي كانت عامل التخريب الأول للدول خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وكان مسرحها الشرق الأوسط والمشرق العربي وأعلامها «القاعدة» و«داعش» وتنظيمات الأذرع الإقليمية ما غرُب نجمُها بعد، وبدأت في السنوات الأخيرة تتفاقم الأخطار على الدول في غرب أفريقيا. جماعة «بوكو حرام» قديمة نسبياً في نيجيريا.

لكن حدثت تغييرات عسكرية في النيجر وبوركينا فاسو ومالي خرج بنتيجتها العسكريون الفرنسيون وحلَّ محلَّهم جنود «فاغنر» بحجة مكافحة الإرهاب. إنما هذا الإرهاب بالذات تعاظمت أخطاره حتى صارت عاصمة مالي مهدَّدة بميليشيات الجريمة التي تنتحل شعاراتٍ إسلاميةً. بيد أنّ هذه التنظيمات التي تعلن الانتماء إلى «القاعدة» أو «داعش»، هي في الأساس عصابات مسلحة تنتمي إلى بعض القبائل أو النواحي النائية، وهي في سنوات الجفاف والقحط تبحث عن موارد للعيش، وتعمل على نهب الموارد الموجودة من البترول والغاز والمعادن النادرة، وفي الوقت نفسه تقيم تحالفات قبليّة تزيد الشعوب انقساماً، وتهدد الدولَ بالفوضى والخراب.
    ما هي علّة هذه الموجة التخريبية الجديدة؟ لا شكّ في أنّ مرحلة الاستعمار والعقود التالية له لم تكن عهوداً تأسيسية لكيانات مستقرة. فقد تدخلت الجيوش مبكراً في إدارات الدول باعتبار أن سياسات المدنيين الذين كان الفرنسيون يدعمونهم ما كانت سياسات إصلاح. ولأنّ التنظيمات المسلحة العدوانية بدأت بالظهور، فقد صنع ذلك فرصةً للجيوش للتدخل بحجة مكافحة الإرهاب. ولأنّ بعض الجيوش كان فيها الاستئثار القبلي، فقد ظلت عاجزةً عن ضبط القبائل التي هي خارج السلطة، وسارعت بعض بطونها وعشائرها بالانضمام للتنظيمات المسلحة التي تقوَّت بسبب انتقال عمليات «القاعدة» و«داعش» إلى أفريقيا الغربية. لقد سارعت قيادات الجيوش التي تولت الحكم إلى الاستعانة بفاغنر فأحلتها محلَّ الكتائب الفرنسية المغادرة. 
أما مشكلة السودان، وهي أفظع، فهي أن الإسلامويين استولوا على السُّلطة والجيش طوال ثلاثين عاماً. وعندما جرى التمرّد الشعبي عليهم أظهروا خضوعاً وأشركوا معهم قوات «الدعم السريع» التي كان الجيش قد صنعها. وبعد أن تخلصوا من المدنيين اختلفوا فيما بينهم على السلطة، وما يزال القتال دائراً بينهم في عدة أنحاء من البلاد، وسط شقاء المدنيين وتهجيرهم.
ما عاد من الممكن تصور السلام والاستقرار في أفريقيا والعالم العربي من دون الدولة القوية والمستقرة والعادلة، التي تملك سياساتٍ وطنية شاملة، وتضع التنمية والتعليم والصحة في ذروة أهدافها.
    إنّ زيادة التدخل الدولي في تلك الأقطار، للتنافس على الموارد، يزيد من إضعاف الاستقرار ويَدفع المصابين من ضعف الدول وتحزّب الجيوش للجوء مرغمين إلى العصابات من أجل الأمان والسلام. 

*أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية



إقرأ المزيد