أخلاق الخيرية واستراتيجيات المبادرة
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

يدور في العالم نقاشٌ بشأن تراجع تأثير النظام الدولي ومؤسساته سواء لجهة مكافحة المشكلات العالمية المتصاعدة أو لجهة تجنب مشكلاتٍ منتظرةٍ ظهرت طلائعها. والقضايا للجهتين تتمثل في حروبٍ اندلعت أو توشك أن تندلع سواء بين الدول أو بدواخلها.
وفي حين تتكاثر الوساطات ولجانها في الحالتين، تنصرف المؤسسات الدينية والأخرى المدنية لتلمُّس البدائل القيمية والأخلاقية. ويرى هؤلاء المتدخلون الدينيون والأخلاقيون أنّ النزاعات العنفية ليست ناجمةً عن المطامع والمطامح والتطرف فقط، بل ولها أسبابٌ أعمق مثل الكوارث الطبيعية والمجاعات وتلوث البيئة، ودمار الزراعة، ولذلك لا تدخل في الوساطات مثل الدوليين فقط، بل تتمثل المبادرة الأخلاقية في أعمال الخير والمبادرة الإنسانية وجهود الإغاثة العاجلة. لكن على هذه الأعمال يدور نقاشٌ أيضاً لجهة الجدوى وجهة الواجب.
وفي الأساس فإنّ النظام الدولي وقوانينه، ومنها ميثاق الأمم المتحدة بما في ذلك مجلس الأمن والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ذات أصول أخلاقية وإنسانية لأنها تتعلق بحقوق الناس وأمنهم وحياتهم، وفي الغالب يكون الحديث عن الحقوق الطبيعية، باعتبار أنّ «رؤية العالم» في ثقافة المجتمعات الغربية خرجت على مدى قرنين من مجال أخلاق الاعتقاد إلى مجال الأخلاق المدنية.
لكن عندما خفَّ الصراع الأيديولوجي بسقوط الاتحاد السوفييتي، وتصاعدت النزاعات على الموارد والمجالات، وما عاد أحدٌ يمون على أحد كما يقال، تصاعد الاهتمام بالمقاربات والبدائل التي تستخدم القوة الناعمة وتمضي إلى اعتباراتٍ تتعلق بالأبعاد الروحية والأخلاقية للإنسان.

ولو تأملنا وثيقة الأخوة الإنسانية بين البابا فرانسِس وشيخ الأزهر بأبوظبي عام 2019 لوجدنا أنها تطرح جدول أعمالٍ للمشكلات العالمية العامة وتنادي باسم أخلاق الدين وإنسانية الإنسان للمعالجة والحلّ.إنّ النقاش الآخر الذي دار ويدور بشأن الأخلاق العالمية والإنسانية يتصل بالجهة أو الجهات التي ينبغي أن تُبادر للقيام بها بعد أن اشتدّ الاقتناع بضرورتها.

فهناك من فلاسفة القانون من اعتبر أعمال الخير أو المبادرات الإنسانية والإغاثية بعد الجهات الدولية ومفوضياتها ووكالاتها هي من شأن المنظمات والهيئات الإنسانية وليس الدول. لكن من دون جدالٍ ولا نقاشات، بادرت دولة الإمارات على راس كوكبةٍ من دول المروءة و«السنع» للطواف بأعمالها الخيرية والإغاثية والتنموية على العالم المصاب والمحتاج كلّه على اختلاف مشكلاته الملحة. وما فرّقت الإمارات منذ أيام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإلى عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، استناداً إلى دينٍ أو أيديولوجيا أو قُرب أو بُعد. وبالإضافة إلى الإغاثات العاجلة والضخمة كما حدث في حالة غزة، هناك مساعدات الكوارث الطبيعية، وسياسات التنمية الطويلة الأمد.
إنّ مبادرات دولة الإمارات وكوكبة صغيرة من دول القدرة والمسؤولية حوّلت بالتدريج الأعمال الإنسانية إلى أعمالٍ استراتيجية بحيث تستطيع الدولة، بتوسيع هذا المفهوم الإنساني والمحايد، التوسط في النزاعات وتجري الاستجابة لمبادراتها في حلّ النزاعات أو التخفيف من وطأتها.
 إنّ أخلاق الخير هي أخلاق الثقة والاقتناع والتعارف بين الناس. ولذا يَحسُنُ بالباحثين الالتفات إلى أهمية هذه الأعمال في نشر السلام في المجال العالمي.

 *أستاذ الدراسات الإسلامية - جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية



إقرأ المزيد