حتى لا تقع حرب عالمية ثالثة
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

خرجت أوروبا من حربين عالميتين (الأولى والثانية) بدرسين سياسيين، الدرس الأول هو ضرورة عدم التخلي عن الدبلوماسية للبحث عن حلول للصراعات والخلافات، أما الدرس الثاني فهو ضرورة الاستعداد دائماً لإمكانية مواجهة أوضاع تتطلّب التراجع في المواقف وإعادة النظر. بيّنت التجربة الأوروبية أن عدم التراجع (المكابرة السياسية) والتمسك بالمواقف الحادة دون إعادة نظر أو مساومة، يؤدي وقد أدّى بالفعل في السابق، إلى حربين دمّرتا دول أوروبا ومجتمعاتها، وقضتا على مئات الملايين من مواطنيها ومن العالم.

في ضوء هذه الثقافة السياسية تواجه أوروبا اليوم مع الاتحاد الروسي -انطلاقاً من الحرب في أوكرانيا- ما سبق لها أن واجهته في ألمانيا. ففي عام 1938 اجتمع الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر مع رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين في ميونيخ. الغطرسة الأوروبية أدّت إلى تصوير الاجتماع وكأنه «فعل» ضعف واستسلام وبالتالي أقرب ما يكون إلى الخيانة. عزّز هذا التطور هزيمة ألمانيا في الحرب. ولكن ماذا لو لم تُهزم ألمانيا؟، وماذا لو نجح لقاء هتلر – شمبرلين في منع وقوع الحرب؟

هذه الأسئلة تُطرح اليوم في ضوء الاتصالات التي تجري على قدم وساق بين واشنطن (الرئيس ترامب) وموسكو (الرئيس بوتين) بحثاً عن حلّ أو عن تسوية للحرب في أوكرانيا. يلعب الرئيس الأميركي ترامب الدور الذي لعبه رئيس الوزراء البريطاني الأسبق تشامبرلين. والتاريخ يعيد نفسه. فالأوروبيون وخاصة في فرنسا يعتبرون الاتصالات الأميركية الروسية (لقاء آلاسكا) صورة طبق الأصل عن لقاء ميونيخ الألماني – البريطاني. فشلت محاولة تشامبرلين وانفجرت الحرب العالمية الثانية. فهل تفشل محاولة ترامب وتنفجر حرب عالمية ثالثة؟

ما كان للثنائي البريطاني – الفرنسي أن يهزم ألمانيا في الحرب العالمية الثانية لولا انضمام الولايات المتحدة إلى هذا الثنائي ضد هتلر. وما كان للرئيس الأميركي ترومان أن يقرر الانضمام إلى الحرب لولا قدرة رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل على إقناعه. ولقد اعتمد تشرشل أسلوباً تخويفياً بعد سلسلة زيارات غير ناجحة قام بها للبيت الأبيض لم تثمر عن نتيجة. قام الأسلوب الذي اعتمده على سيناريو (وهمي) أعدّه أحد الكتّاب السينمائيين الإنجليز بإشراف جهاز المخابرات البريطاني يتضمن تصوراً لمخطط ألماني نازي لاحتلال دول في أميركا الوسطى والجنوبية تمهيداً لتطويق الولايات المتحدة. حمل تشرشل هذا السيناريو إلى البيت الأبيض على أنه معلومات سرية موثوقة حصل عليها آنذاك جهاز المخابرات البريطانية. صدّق الرئيس الأميركي حليفه البريطاني، واتخذ قرار المشاركة في الحرب.

قلَب هذا القرار موازين القوى في أوروبا، فكانت هزيمة هتلر والنازية، ولكن بعد سقوط ملايين الضحايا وخراب كبير.

الآن تغيرت الظروف، ولا يمكن مقارنة أجواء الحرب العالمية الثانية بالواقع العالمي الراهن. تعلّم الأوروبيون من الحربين العالميتين الأولى والثانية درسين مهمين:- الدرس الأول هو أنه ليس مسموحاً لأوروبا أن تدخل تجربة ثالثة من بوابة فشل الدبلوماسية في معالجة المشاكل البينية. ذلك أن مثل هذا الفشل يؤدي حتماً إلى الكارثة. والكارثة اليوم -أو غداً- نووية. أما الدرس الثاني فهو أن الأمن والازدهار والاستقرار يتحقق بحكم «القانون» والمواثيق الدولية وليس بقوة «السيف» والمدفع والقنابل النووية. والسؤال الآن هو كيف تضيء أنوار هذين الدرسين على نقاط المواجهات الساخنة التي تهدّد الأمن والسلام: من أوكرانيا في أوروبا إلى توترات في آسيا؟. ومن غزة (فلسطين) في الشرق الأوسط إلى فنزويلا في أميركا الجنوبية؟

*كاتب لبناني



إقرأ المزيد