بلد عشق الحروب منذ الأزل -1-
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

عرفنا الأفغانيين في العين قبل أن نعرف أفغانستان، فقد استطابوا تلك المدينة التي تشبه في أجزاء منها قراهم البعيدة، فالأفغاني عادة ما يلوذ بجبل في أي مكان يقصده، حينها فقط يشعر بالأمان، وكل ما أتذكره من أفغانستان في صغري في الستينيات طوابع بريد لرسائل قليل من يقرؤها، فهو بلد ظل مغلقاً بحكم الجغرافيا، وصراع التاريخ، حتى صار الزائر لذلك البلد، من قبل ومن بعد في نظر الكثير، محل ريبة وشك، وتدور حوله الأسئلة وعلامات التعجب، ولا يخلو من مساءلة في المطارات.
أفغانستان بمعنى بلاد الأفغان مسورة بجبال عارية صماء، ولا منفذ ترى فيه البحر لتفرح، وربما تستقبل الغريب دونما أي تحفز أو تربص، فيها شعاب ووديان، ومعادن كثيرة متنوعة، بينها الذهب، هبطت على تلك الأرض قبائل تنتمي إلى ثقافات متنوعة وأديان عدة ولغات مختلفة عبر التاريخ، لا يجمعها إلا حبها للغزو والقتال من أجل السيطرة، فرضت تلك الجغرافيا القاسية طبيعتها على الناس، بحيث ما عادوا يعرفون إلا الحروب، ولأنهم قبائل شتى ظلوا بعيداً عن الاستقرار، والتمدن، رغم أنهم مروا بفترات ملكية زاهية في بداية القرن العشرين، وعرفوا التحضر والتمدن ودخل العلم والنور البلاد، حتى كادت أفغانستان كمملكة أن تنحى للتغرب، كما كان «الشاه» يريد لإيران، وكما فعل «أتاتورك» لتركيا، لكن هذا البلد  تحده إيران وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان وباكستان والهند والصين كمنفذ ضيق، يسمى «منقار البطة»، لذا هو يقع على طريق الحرير، الأمر الذي جعله، بموقعه الاستراتيجي، عرضة للحروب والغزوات على مدار التاريخ، منذ «الإسكندر الأكبر المقدوني» الذي عبره في طريقه إلى الهند، وبنى فيه مدناً عدة، منها «هرات، وقندهار» التي كان يطلق عليها قديماً اسم الإسكندرية، وفِي القرن التاسع عشر تنازعت على أفغانستان الإمبراطورية الروسية والبريطانية في تنازعهما التاريخي للسيطرة على الهند قبل التقسيم، وبلدان آسيا الوسطى، ولكن، لظروف الحرب العالمية الثانية، نجت افغانستان من الاحتلال، لتعود لها الحروب من جديد بعد الانقلابات على العهد الملكي والحرب الأهلية، ودخول الاتحاد السوفييتي عام 1979 - 1989، بعدما تمكن الحزب «الديمقراطي الشعبي الأفغاني» الموالي له من السلطة، ودخول أميركا على الطرف الآخر ودعمها للحركة الإسلامية والمجاهدين، وبعدها تشكيل «طالبان» وبروز ظاهرة العرب «الأفغان» من بقايا المجاهدين، وتنظيم «القاعدة»، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وانقلاب السحر على الساحر، تدخلت الولايات المتحدة الأميركية بعدتها وعتادها، وسيطرت على افغانستان لعشرين سنة كاملة، كانت كلفتها عالية مادياً وبشرياً من الجانبين، بعد انسحاب الاتحاد السوفييتي من افغانستان دخلت البلاد التي بلا نظام سياسي وأمني في حرب أهلية حيث تقاتل القادة المجاهدون حلفاء الأمس ضد الماركسية والمد الشيوعي، ولعبت أطراف وحكومات وأجهزة متعددة في تلك الحرب الأهلية، داعمة الفريق الذي كانت تريده أن ينتصر ليحقق لها مصالحها، لكن «طالبان» حكمت البلاد في النهاية، لكنها أخرجت للعالم وجهاً آخر غير متحضر تجاه العلم الحديث والمرأة وحقوقها المدنية، وشرعنتها للإرهاب، والتشدد والسلوك العنفي، حتى تجاه الآثار والمكونات الحضارية، ثم طردت من الحكم لتعود إليه بعد الانسحاب الأميركي بوجه يسبقه العنف والتخويف والترهيب، تاركة الأبواب كلها مفتوحة على الأسئلة وقراءة المستجدات.. وغداً نكمل



إقرأ المزيد