نحو مشروع إسلامي يتجاوز الطائفية
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

إن صناعة المستقبل لا تتم بالعودة إلى صراعات الماضي، ولا بإعادة إنتاج الخلافات التي عطلت تقدم الأمة الإسلامية لقرون، بل تحتاج إلى رؤية جريئة، تضع الأمل والعمل في مقدمة أولوياتها. مؤتمر الحوار الإسلامي - الإسلامي في المنامة ليس مجرد لقاء لمناقشة قضايا فقهية أو عقائدية، بل هو فرصة لتأسيس مشروع حضاري جديد، ينظر إلى التعددية الإسلامية باعتبارها مصدراً للإثراء، لا سبباً للتشرذم. لقد أثبت التاريخ أن الحضارات التي ازدهرت هي تلك التي عرفت كيف تدير اختلافاتها، وتحوّل تنوعها إلى قوة دفع، بدلاً من أن تجعله سبباً للانقسام.

وفي هذا السياق، فإن العالم الإسلامي بحاجة إلى مشروع يضع الدولة الوطنية في مركز المعادلة، حيث يكون الولاء للوطن، وليس للطائفة أو المذهب، وحيث يتم تعزيز مفهوم المواطنة المتساوية التي تضمن حقوق الجميع من دون تمييز. فالمجتمعات التي تبني مستقبلها على أسس العدالة والمساواة، هي القادرة على تحقيق الاستقرار والتنمية، في حين أن المجتمعات التي تعاني من الانقسامات الطائفية، تبقى أسيرة الفوضى وعدم الاستقرار.

إعادة الاعتبار لفكرة الدولة الوطنية لا تعني تهميش الدين، بل على العكس، تعني تحريره من الاستخدام السياسي، وإعادته إلى دوره الحقيقي كمصدر للأخلاق والقيم الإنسانية الجامعة. الإسلام لم يكن يوماً مشروعاً إقصائياً، بل هو رسالة عالمية تدعو إلى التعاون والتراحم، لا إلى الصراع والاحتراب.

ومن هنا، فإن أحد أهم التحديات التي يناقشها مؤتمر المنامة، الذي ينطلق اليوم، هو كيفية إعادة إنتاج خطاب ديني مستنير، يُعزز قيم التعايش، ويضع حداً لخطابات التكفير والتحريض التي مزقت المجتمعات الإسلامية. إن الشباب المسلم بحاجة إلى نموذج جديد في التفكير، نموذج لا يكرس الماضي كعبء، بل يستلهم منه القيم الإيجابية، ويتجاوز إخفاقاته، ويتطلع إلى المستقبل بروح بنّاءة. اليوم، يمتلك العالم الإسلامي إمكانات هائلة، بشرية واقتصادية وثقافية، لكن هذه الإمكانات لا يمكن استثمارها ما لم يكن هناك مشروع موحّد، يتجاوز الخلافات، ويركّز على البناء والتنمية. وهذا المؤتمر يمكن أن يكون لحظة انطلاق لمثل هذا المشروع، إذا ما تم تحويل مخرجاته إلى سياسات عملية، تُرسّخ قيم التسامح، وتعيد الاعتبار لفكرة الأمة الإسلامية ككيان جامع، لا كخنادق متصارعة.إن تجاوز الطائفية يتطلب تفكيكَ منظومتها الفكرية والسياسية، وإعادة إنتاج رؤية جديدة تقوم على مبدأ مراعاة الخلاف، وهو مبدأ فقهي أصيل يتيح للمذاهب المختلفة التعايش ضمن إطار من الاحترام المتبادل. إن إحياء هذا المفهوم في المجال السياسي والاجتماعي، يمكن أن يكون خطوة محورية نحو مجتمع أكثر انفتاحاً وتقبلاً للتنوع.

مؤتمر المنامة لن يكون نهاية الطريق، بل هو بداية لمرحلة جديدة، يمكن أن تؤسس لجيل جديد من المسلمين، يؤمن بأن التعددية هي ثروة، وأن صناعة الأمل تتطلب تجاوز عقلية الصراع إلى عقلية التعاون والبناء. فهل نحن مستعدون لهذا التحول؟ أم أننا سنبقى أسرى للخطابات القديمة التي لم تُنتج سوى مزيد من الفرقة والضعف؟ إن الإجابة عن هذا السؤال هي التي ستحدد مسار الأمة في العقود القادمة.

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة



إقرأ المزيد