جريدة الإتحاد - 2/19/2025 12:20:10 AM - GMT (+4 )

العادي جداً أن تكون لنا أمنيات وآمال نتمنى تحقيقها، والعادي كذلك أننا نسعى إلى تحقيقها بكل ما أوتينا من قوة، غير أنه من غير العادي إطلاقاً أن تكون لنا أمنيات لا تستدعي أي قوة أو إمكانات لتحققها، ولكننا لا نستطيع.. لماذا يا ترى يحدث ذلك لبعض الناس؟ لأنها ببساطة تأتي في وقت لا يتمكن فيه هؤلاء الناس من التعبير عنها، سيكونون عاجزين تماماً عن تحقيقها.. بل حتى عن طلبها.
عندما كان والدي، رحمه الله، طريح الفراش، كان يطلب ما يريد.. يخبرنا بأشياء بسيطة نفعلها له، ولكنه وقبل وفاته بأقل من أسبوع لم يكن يطلب شيئاً فقد توقف عن الكلام، فقط عيناه كانتا تتحركان، عجزنا عن فهم ما يريده، فكنّا نتصرف معه بناء على ما كان يطلبه منّا قبل أن يحدث هذا الصمت. وكنت أحدث نفسي كثيراً كلما جاورته في تلك الأيام القليلة، التي لم يعد يحدثنا فيها، يا ترى ما الذي ترغب به يا أبي؟.. ليتني عرفت!
لم أكن قد قرأت سابقاً عن هذا الموضوع، ولم تسعفني الظروف في ذلك الوقت لمعرفة ولو لمحة عما يمكن أن يتمناه من هم في وضع والدي المرضي، ذلك الوضع الذي يكون فيه صاحبه لا يملك أية قدرة على تحريك شيء إلا عقله، الذي يكون له رغبات تمنى لو أن من حوله أنجدوه بها.
مؤخراً قرأت عملاً بديعاً عن رجل بلغ الستين من عمره، وقد بقي 20 عاماً طريح الفراش لا يتحرك فيه إلا عيناه، في الرواية يخبرنا عن شعوره بالرثاء على نفسه لعجزه عن تحقيق أشياء بسيطة رغب بها بشدة وتمناها لو تحققت قبل أن يموت: أن يفتحوا نافذة غرفته قبل شروق الشمس.. أن يقرأ أحدٌ له كتاباً.. أن يشم عطره المفضل.. أن يرى نفسه في مرآة.. أن يلمس ماءً جارياً.. أن يرى منظراً غير الغرفة التي يعيش فيها منذ سنوات.. أن يسمع صوت ارتطام ملعقة بزجاج كوب الشاي.. أن يشرب شاياً.. أن يلمس المطر وجهه.. أن يسمع صوته.. أن يحك ذقنه.. أن يرى اسمه مكتوباً على شيءٍ ما.
لقد بلغ به الأسى على نفسه حده، فكيف لأشياء بهذه البساطة والتناول يمكن أن تجعل رجلاً تعيساً يتعذب في فراشه 20 عاماً، ليس من ألم المرض وإنما من عجزه التام أمام هذه الأشياء البسيطة، وكيف أن هذه الأمور العادية جداً لم تخطر ببال القريبين منه!
ولكن لحظة.. هل نعلم نحن ما يحبه القريبون منّا، وهل يعلمون هم ما نحبه أو نرغب فيه؟ لعلنا نقصر بشكل أو بآخر في مشاركة الآخرين هذه الرغبات فلا نخبر بها أحداً، ولا نسمع من الآخرين عن رغباتهم شيئاً. أعتقد أن الأوان قد آن لكي يكتب كل منّا ما يرغب به الآن ويخبر به.. فلا داعي للانتظار.
إقرأ المزيد