الحروب التجارية وفوضى «ماسك».. هل تجعل أميركا عظيمة مرة أخرى؟
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

في يوم الاثنين 10 مارس، تكبّدت الأسواق المالية الأميركية خسائر فادحة بسبب الحرب الجمركية، التي شنّها الرئيس دونالد ترامب ضد كل من كندا والمكسيك والصين. وبالإضافة إلى ذلك، ألمح في مقابلة تلفزيونية إلى أن المزيد من الاضطرابات، قد تحدث قبل أن تنجح سياساتُه الراميةُ إلى «بناء دولة قوية».
وكان للتهديدات الجمركية ضد كندا تأثير دراماتيكي على سياستها الوطنية. ففي عام 2024، كانت نسبة التأييد لرئيس الوزراء الليبرالي، جاستن ترودو، في أدنى مستوياتها. وأشارت الاستطلاعات إلى أن حزب المعارضة المحافظ سيفوز في الانتخابات العامة بأغلبية ساحقة. ونتيجة لذلك، وافق ترودو على الاستقالة والسماح لحزب الليبراليين باختيار زعيم جديد.
كان هذا قبل أن يزيد ترامب من حدة خطابه ضد ترودو، مهدِّداً بجعل كندا الولاية الأميركية ال51. كان تأثير إهانات ترامب فورياً، إذ ارتفعت معدلات التأييد لكل من ترودو والحزب الليبرالي. وفي 9 مارس، اختار الحزب «مارك كارني» ليكون زعيماً له ورئيساً للوزراء. وكارني مصرفيٌ دولي يتمتع بخبرة واسعة في التعامل مع الأزمات المالية. وفي خطاب قبوله، أطلق نداءً حماسياً ضد ترامب، مؤكداً أن «الكنديين يواجهون أكبر أزمة في حياتهم». وتعهد بفرض رسومٍ جمركية مماثلة على الولايات المتحدة.
كما عبّر قادة المقاطعات الكندية الأقوياء عن غضبهم من تهديدات ترامب. فقد فرض رئيس وزراء أونتاريو، دوج فورد، رسوماً إضافيةً بنسبة 25% على إمدادات الكهرباء إلى الولايات الأميركية المجاورة مثل ميتشيجان ونيويورك ومينيسوتا.
أما المكسيك والصين، فقد كانت ردود فعلهما أقل حدةً من الناحية الخطابية، لكنها عملية من الناحية الاقتصادية، إذ فرض كلا البلدين تعريفاتٍ انتقائيةً على صادرات أميركية رئيسية. وشملت هذه الرسوم المنتجات الزراعية مثل فول الصويا ولحم الخنزير، بالإضافة إلى السلع الفاخرة مثل بعض المشروبات الروحية، بما في ذلك بعض الماركات التي تحظى بشعبية في كندا. وسيؤثر ذلك بشكل خاص على العمال الأميركيين، لا سيما في الولايات المؤيدة لترامب أو ما يُعرف بالولايات «الحمراء».
 وفي الوقت نفسه، يسبب إيلون ماسك وفريقُه من التكنوقراط الشباب حالةً من الفوضى بسبب محاولاتهم العشوائية تقليصَ عدد الموظفين في الأجهزة الحكومية، بما في ذلك الوكالات التي تقدم الدعم الطبي والضمان الاجتماعي لملايين الأميركيين. وقد اتسمت أفعالهم بالعشوائية، لدرجة أن العديد من أعضاء مجلس وزراء ترامب المُعيّنين حديثاً واجهوا ماسك وطالبوه بالإذعان لهم في تحديد الوظائف التي سيتم تسريحها. وقد أدى ذلك إلى رد فعل شعبي غاضب ضد ماسك. حيث تعرضت معارض سيارات تسلا لهجمات واحتجاجات، والأهم من ذلك، انخفضت قيمة أسهم تسلا بنسبة 50% منذ ديسمبر الماضي. ويعتقد المراقبون أن ترامب سيسأم في النهاية من تصرفات ماسك، ليقوم إما بإبعاده أو بتقليص سلطته. لكن في الوقت الحالي، يعمل ماسك ككبش فداء مفيد لحماية ترامب من الغضب الشعبي المتزايد بسبب التسريحات العشوائية للموظفين الفيدراليين ذوي الخبرة في وكالات مهمة، بما في ذلك خدمات الطوارئ ومعاهد الصحة الوطنية.
غير أن ما يهم حقاً هو حالة الاقتصاد الأميركي. فإذا بدأت ثقة المستهلكين بالتراجع وواجه المزيدُ من الأميركيين صعوباتٍ ماليةً وأصبحوا أقل إنفاقاً، فقد تحدث حالة ركود اقتصادي في وقت لاحق من العام. وفي هذه الحالة، لن يتمكن ترامب من إلقاء اللوم على إدارة بايدن في التباطؤ الاقتصادي. بل سيكون «ركود ترامب» هو السبب، والتاريخ يشير إلى أن الناخبين لا يتعاطفون مع مَن هم في السلطة خلال الأزمات، خاصة أن ترامب لطالما ادّعى أنه ناجح مالياً، بل وألّف كتاباً بعنوان «فن إبرام الصفقات».
لم تكن تصرفات ترامب خلال هذه الأسابيع الأولى من ولايته في البيت الأبيض مشجعةً، والأسواق المالية - وليس «الديمقراطيون» الضعفاء - هي التي توضح ذلك بجلاء. فالأسواق تكره عدم اليقين، وحتى يتمكن ترامب من طمأنة الشعب الأميركي بثقة إلى أن حروبه التجارية ضد دول صديقة، مثل كندا، ستعود عليهم بالفائدة، فإنه سيواجه معركةً شاقةً لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» - واشنطن



إقرأ المزيد