جريدة الإتحاد - 5/12/2025 11:18:53 PM - GMT (+4 )

في عالم يتقلب على وقع المصالح، قلّما تجد دولة تقف بثبات أمام العواصف دون أن تحيد عن مبادئها، وتدفع ثمن وفائها من رصيدها لدى من اعتبرتهم يوماً إخوة في المصير والموقف. هكذا كانت الإمارات، ولا تزال، ثابتة على خط الدفاع العربي، لا تميل حيث تميل المصالح، ولا تتغير مواقفها بتبدّل الحكومات أو تبدّل الولاءات.
وقفت الإمارات في كل الساحات التي اشتدت فيها العواصف، تمدّ يد العون دون منّة، وتفتح صدرها قبل أبوابها، لكل شقيق أصابته نازلة أو ألمّت به أزمة. لم تُقصِ أحداً، ولم تنتقِ حلفاءها على أساس الفائدة الآنية، بل كانت دوماً في قلب كل قضية عربية، من المشرق إلى المغرب، من السودان إلى ليبيا، ومن اليمن إلى فلسطين.
لكن ما يؤلم اليوم، ليس التباعد السياسي ولا اختلاف وجهات النظر، فتلك طبيعة السياسة، ما يؤلم هو أن تُقابل اليد الممدودة بالشك، والموقف النبيل بالتشكيك، والمساعدة الصادقة بالعداء الصامت أو المعلن، ما يؤلم أن تسمع أصواتاً تطعن في المواقف الإماراتية، بل وتُشيطن حضورها العربي، وكأن الإمارات، بما قدمت وقدمت، قد أصبحت خصماً لا شريكاً، وغريباً لا شقيقاً.
مواقف بعضهم، مثل زمرة بورتسودان لم تعد مفهومة، على الرغم من أن الإمارات لم تتوقف عن مد يد العون للشعب السوداني الشقيق منذ بداية أزماته، سياسياً وإنسانياً. ورغم ما واجهته الإمارات من حملات افتراء منظمة، لم تغيّر من التزامها الأخوي تجاه شعب السودان واحتياجاته.
ما الذي تغيّر؟ هل أصبح الحياد الإماراتي تهمة؟ وهل تحوّل دعم الاستقرار إلى تدخل؟ أم أن هناك من يسعى لإعادة تشكيل الاصطفافات الإقليمية بما يخدم أجندات أخرى، لا تعرف الوفاء، ولا تعترف بالإرادة المستقلة؟
الإمارات لم تتغير، لا في ثوابتها، ولا في رسالتها، ولا في رؤيتها للأمن القومي العربي كمنظومة متكاملة. والإمارات التي تصدّت لأخطر مشاريع التفتيت والتطرف، وواجهت الفوضى المنظمة التي كادت أن تبتلع دولاً ومجتمعات، لم تفعل ذلك لمصلحة ذاتية ضيقة، بل من أجل منع سقوط النظام العربي بأسره.
وفي كل مرة، كان بإمكان الإمارات أن تلتزم الصمت، أو أن تنكفئ على ذاتها، أو تحسب حساب الربح والخسارة قبل اتخاذ المواقف، لكنها لم تفعل. لأنها تؤمن أن العرب جسدٌ واحد، وأن التنازل عن مبدأ، هو بداية الانهيار.
من يخاصم الإمارات اليوم، يخاصم نفسه دون أن يدري. ومن يشكك في نواياها، إنما يسيء إلى مسيرة من العطاء والنبل والثبات، لا تسقط بالتشكيك، ولا تتأثر بنكران الجميل. فالإمارات لا تنتظر الشكر، ولكنها لن تتغاضى عن التجني، ولن تسمح بأن يُعاد تأويل الحقائق وفق أهواء اللحظة، أو توجيهات الخارج.
التاريخ سيقول كلمته. وسيبقى الموقف الإماراتي صلباً، واضحاً، عربياً في جوهره، إنسانياً في مضمونه، ووفياً في كل الظروف.
*لواء ركن طيار متقاعد
إقرأ المزيد