جريدة الإتحاد - 7/5/2025 11:39:29 PM - GMT (+4 )

انتهت مؤخراً قمة «الناتو» في لاهاي من دون حدوث أزمة بين دونالد ترامب وحلفائه الأوروبيين. والجميع يشعر بالارتياح لأن المخاوف كانت كبيرة جداً، ولكن الحقيقة هي أن الانقسامات مازالت عميقة بين الأوروبيين، ولكنها عميقة قبل كل شيء بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
إنه انتصار حقيقي لدونالد ترامب. ذلك أنه في الوقت الذي كان يتنمر فيه على الدول الأوروبية بخصوص التعريفات الجمركية وقال إن الاتحاد الأوروبي إنما أنشئ «لخداع الولايات المتحدة»، أبان الأوروبيون عن خضوع وانصياع.
فقد هنأ الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته الرئيس الأميركي على تحركه الحاسم في إيران، وشكره على إجبار الأوروبيين على زيادة إنفاقهم العسكري. أجل، إنها بلدان أرغمت على فعل شيء لم تكن تريد فعله في البداية، وتشكر الشخص الذي قرر لها. ما الذي تمخضت عنه هذه القمة؟ معادلة سحرية: «5 = 5»، أي أنه إذا رفعت الدول الأوروبية إنفاقها العسكري إلى 5% من ناتجها المحلي الإجمالي، فإن الولايات المتحدة ستمتثل للمادة 5 من ميثاق حلف «الناتو» - وهي المادة الرئيسية، التي تنص على أنه إذا تعرضت دولة من دول الحلف لهجوم، فإن على جميع الدول الأخرى أن تهبّ لمساعدتها. وهي المادة التي لطالما ظل دونالد ترامب ينأى بنفسه عنها.
دونالد ترامب كان يطالب الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها العسكري إلى 5% من ناتجها المحلي الإجمالي. والحال أن الولايات المتحدة نفسها تنفق أقل من 4%، وبالتالي لا تحقق هذا الهدف.
وقد تعهد الأوروبيون بفعل ذلك في غضون السنوات العشر المقبلة. لماذا 5%؟ إنه رقم اختير بشكل عشوائي. فمن أجل تحقيق الهدف الذي حددته الولايات المتحدة، اتفق الأوروبيون على تخصيص 3.5% من ناتجهم المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري و1.5% للبنية التحتية.
والحقيقة هي أن معظم القادة يدركون جيداً أنهم لن يستطيعوا الوفاء بهذا الالتزام لأسباب متعددة أبرزها نقص الموارد. هذا الواقع الاقتصادي سيجبر القادة الأوروبيين إما على أخذ المزيد من الأموال من الأغنياء عن طريق زيادة الضرائب - وهو ما لا يبدو أن أي حكومة أوروبية ترغب في القيام به - أو أخذ الأموال من الفقراء وخفض الخدمات العامة، مع ما ينطوي عليه ذلك من خطر حدوث ثورة شعبية، وهو خطر لا يستهان به، أو الاقتراض بشكل أكبر وترحيل المشكلة إلى المستقبل. غير أنه ليست هناك وصفة سحرية في الواقع.
ولكن فيما يتعلق بالمادة 5، لا يزال موقف دونالد ترامب غامضاً. فقد قال على متن الطائرة الرئاسية في رحلته إلى لاهاي إن هناك عدة طرق لتأويل المادة 5. وإذا كانت هناك عدة تأويلات بالنسبة لدونالد ترامب، فهذا يعني أن تأويله المحتمل هو أنه لن يدعم دولة تتعرض للهجوم. وبذلك يتأكد غياب الضمانة الأميركية.
نحن إذن في وضع حيث باتت المادة 5 من ميثاق حلف «الناتو» موضع تشكيك، غير أن الأوروبيين يخضعون مع ذلك للولايات المتحدة ويزيدون من إنفاقهم العسكري، في صورة من الخضوع الطوعي من قبل القادة الأوروبيين لدونالد ترامب تبعث على القلق الشديد.
«أضعف الإيمان» هو ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أنه ليس من المنطقي خوض حرب تجارية ضد الدول الأوروبية ومطالبتها في الوقت نفسه بزيادة إنفاقها العسكري. غير أن الشخص الذي استحق جائزة الكرامة والشجاعة والوضوح - وهو الدور الذي عادة ما تضطلع به فرنسا في مثل هذه اللقاءات - هو رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الذي قال إنه لا يوجد سبب يبرر زيادة إسبانيا لإنفاقها العسكري إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما جرّ عليه غضب دونالد ترامب، لكنه قام بدور الرجل الذي يقف في وجه رئيس الولايات المتحدة.
والواقع أن القادة الأوروبيون ارتكبوا خطأ، إذ كان يجدر بهم أن يقوموا بهجوم مضاد، بما أن دونالد ترامب كان يتنمر عليهم، ذلك أنهم إذا استسلموا لترامب، فإنه لن يستنتج من ذلك ضرورة الإنصات إليهم وإرضائهم، بل سيستنتج منه أنهم ضعفاء وأنه يستطيع أن يحصل منهم على المزيد.
وخلاصة القول إن الاستسلام الطوعي والمبتسم ليس خياراً إزاء دونالد ترامب الذي لا يفهم سوى ميزان القوة، بل إخفاق لأنه سيزيد من الفاتورة في المرة القادمة.
*المدير المؤسس لمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية- باريس.
إقرأ المزيد