جريدة الإتحاد - 7/5/2025 11:50:23 PM - GMT (+4 )

كان من المقرر أن تعقد الأمم المتحدة الأسبوع الماضي جلسة خاصة لتعزيز حل الدولتين للنزاع بين إسرائيل وفلسطين. إلا أن هجوم إسرائيل على إيران والاشتباكات المميتة التي تلته أدت إلى تأجيل الجلسة. وبينما قد يتمتع بقية العالم برفاهية الانتباه أو تجاهل معاناة الشعب الفلسطيني، فإن الوضع في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية يزداد سوءا.
وما يزيد من تفاقم هذه الحالة المأساوية الاستجابة العاجزة لمعظم الدول تجاه ما يجري. فبدلاً من إصدار إدانات حاسمة لعمليات القتل والاحتلال، لا تتجاوز ردودهم تصريحات فارغة، وأحياناً تافهة، تدعو الأطراف إلى التفاوض (وكأن هناك ما يمكن التفاوض بشأنه)، أو تأكيدات على دعمهم لحل الدولتين (وكأن هذا الحل لا يزال ممكناً في هذه المرحلة).
هذا لم يمنع البعض من طرح «خطط سلام»، والدعوة إلى نشر قوات حفظ سلام دولية، و«سلطة فلسطينية تم إصلاحها»، ونزع سلاح «حماس». لكن هذه المقترحات تتجاهل حقيقتين مهمتين: رفض إسرائيل لكل بند في كل خطة طُرحت حتى الآن، وحقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي أصبح مترسخاً لدرجة شوهت واقع الأراضي المحتلة - في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية - وجعلت طريق الفلسطينيين نحو الاستقلال أكثر تعقيداً مما كان عليه في زمن اتفاقيات أوسلو. لفهم الوضع الحالي وما يجب فعله، أجرى شركاؤنا استطلاعات سنوية في الأراضي المحتلة لتقييم مواقف الفلسطينيين تجاه أوضاعهم الحالية وآمالهم المستقبلية.
وتظهر هذه الاستطلاعات بوضوح أن الفلسطينيين في المناطق الثلاث يعيشون حالة من الكرب الشديد. وبسبب الظروف الفريدة والمرهقة التي فرضتها إسرائيل، ظهرت تباينات واضحة في آراء السكان في كل منطقة تجاه الحكم والتهديدات التي يواجهونها، وآمالهم للمستقبل - وهي تباينات لا يمكن تجاهلها. على مدى عقدين، تم عزل غزة عن باقي السكان الفلسطينيين وخُنقت اقتصادياً من قبل إسرائيل، في وقت كانت فيه الحكومة الإسرائيلية تعاقب حماس وتكافئها في الوقت نفسه، بهدف تعميق الانقسام في الصف الفلسطيني. وقد نجحت إسرائيل في ذلك، مما مكّن «حماس» من تعزيز قوتها.
وقد خلّفت الحرب الإسرائيلية على غزة آثاراً مدمرة على الفلسطينيين. وقد أظهرت استطلاعاتنا مدى الخسائر التي لحقت بهم بالأرقام. أفاد نحو ثلثي السكان بأنهم اضطروا لإخلاء عائلاتهم أربع مرات أو أكثر خلال الأشهر الـ18 الأولى. وقد فقد معظمهم أفراداً من أسرهم.
ويقول 70% إن منازلهم دُمرت بالكامل، وتفيد الأغلبية بوجود نقص حاد في الغذاء والماء والخدمات الطبية والمأوى المناسب. أما القدس الشرقية، فقد أدى إغلاقها القسري طوال العقود الثلاثة الماضية إلى عزل الفلسطينيين هناك عن إخوانهم في بقية الأراضي المحتلة. فقبل الإغلاق، كان سكان الضفة الغربية يتوجهون إلى القدس للعمل والحصول على الخدمات. وبعد الإغلاق، فقد سكان القدس الشرقية مصادر دخلهم، واضطروا للاندماج في الاقتصاد الإسرائيلي.
ومنذ 7 أكتوبر، أظهرت استطلاعاتنا أن الأغلبية هناك تعاني من ضغوط اقتصادية وسياسية متزايدة. وفي الضفة الغربية، هناك أيضاً انعدام متزايد في الأمن الاقتصادي. فبسبب السياسات الإسرائيلية التي أعاقت التنمية الاقتصادية الفلسطينية المستقلة، أصبح العمل كعمال يوميين في إسرائيل أو مستوطناتها، أو العمل لدى السلطة الفلسطينية، هو المصدر الرئيسي للدخل.
وبعد الحرب، علّقت إسرائيل تصاريح العمل، وقيّدت تحويل عائدات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، مما أجبر الأخيرة على تقليص الرواتب. ونتيجة لذلك، تضاعف معدل البطالة في الضفة الغربية ثلاث مرات، وتفاقمت حالة الفقر بين السكان. وما ازداد أيضاً هو شدة التهديدات التي يواجهها الفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية، من عنف المستوطنين، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي، والطرد القسري، والمداهمات التي تنفذها القوات الإسرائيلية. ونتيجة لذلك، يشعر الفلسطينيون بتهديد متزايد وانعدام للأمن.
وتُظهر استطلاعاتنا أيضاً وجود أزمة ثقة عميقة لدى الفلسطينيين تجاه قياداتهم. فالفلسطينيون في غزة لا يرغبون بالتعامل مع «حماس»، بينما تراجعت ثقة سكان الضفة الغربية بدور السلطة الفلسطينية. ويحمّل سكان غزة كلاً من «حماس» وإسرائيل مسؤولية الحرب، بينما أعرب ثلاثة أرباع الفلسطينيين في الضفة الغربية عن عدم رضاهم عن أداء السلطة الفلسطينية في التعامل مع الصراع.
لقد كانت السلطة في السابق تمثل أمل الفلسطينيين في مستقبل أفضل، لكنها أصبحت يُنظر إليها الآن كطرف مُهان من قبل إسرائيل، أو حتى كوكيل للاحتلال. كل هذه العوامل - من الدمار الذي خلفته الحرب، والسياسات الإسرائيلية، إلى فقدان الثقة في القيادة - ترسم ملامح الأزمة التي يواجهها الفلسطينيون اليوم. إنهم يعرفون ما يريدون: الاستقلال، والأمن، وتحسين الاقتصاد وفرص العمل، والخدمات، لكنهم لا يرون طريقاً واضحاً للمضي قدماً.
ومن المؤشرات المقلقة التي كشفت عنها استطلاعاتنا هي حالة اليأس المتزايدة. فعندما سُئلوا عن استراتيجيتهم المفضلة للمستقبل، عبّر غالبية من سكان غزة والضفة الغربية عن رغبتهم في عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر - لكن مع فرص عمل أفضل، وخدمات محسّنة، ونوعية حياة أعلى. وعلى الرغم من أن غالبية سكان غزة ونسبة كبيرة من سكان الضفة الغربية لا يزالون يفضلون حل الدولتين على أساس حدود 1967، فإن ما يقرب من ثلثي المشاركين في المناطق الثلاث يقولون إنه في ظل الظروف السياسية الحالية والحقائق على الأرض، يعتقدون أن الوضع الآن يقترب من واقع الدولة الواحدة التي تسيطر فيها إسرائيل على الفلسطينيين في جميع أنحاء إسرائيل والضفة الغربية وغزة.
خلاصة القول، من استطلاعاتنا التي أجريناها على مدار ثلاث سنوات، هي أن الظروف الاستثنائية التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين زادت من تعقيد إيجاد مسار للمضي قدماً. تركز الجهود الحالية للمجتمع الدولي على ما يجب على الفلسطينيين فعله.
لكن التهديد الحقيقي للسلام والاستقرار يكمن في الحكومة الإسرائيلية التي رفضت جميع المقترحات التي تدعو إلى إنهاء هجومها على غزة، وسحب قواتها، وإعطاء دور للسلطة الفلسطينية في غزة، وأي اقتراح بإدراج الاستقلال أو السيادة الفلسطينية على جدول الأعمال. هذا التعنت هو ما يجب معالجته.
بدلًا من تحميل الفلسطينيين وحدهم عبء الإصلاح، ينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا الغربية والدول العربية اتخاذ تدابير ملموسة لإجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها، وفرض وصاية دولية بقوة حفظ سلام في الأراضي المحتلة، وتقديم التزام طويل الأمد لمساعدة الفلسطينيين في بناء حكم تمثيلي في دولة مستقلة ذات سيادة - وهي خطوات تدعمها أغلبية أو نسبة كبيرة من الفلسطينيين حسب استطلاعاتنا.
*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن
إقرأ المزيد