جريدة الإتحاد - 7/6/2025 12:02:58 AM - GMT (+4 )

في خطوة استراتيجية تعبّر عن رؤية إماراتية واضحة نحو تعزيز الاقتصاد المعرفي وترسيخ الصناعة المستدامة، أعلن مركز الشباب العربي انطلاق الجولة السابعة من مبادرة «حلول شبابية»، بالشراكة مع وزارة الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والمؤسسة الاتحادية للشباب، تحت شعار «صُنع في العالم العربي». وتمثّل المبادرة ترجمة عملية لتوجّه الإمارات نحو تحويل التحديات إلى فرص، من خلال توجيه طاقات الشباب إلى مجالات الإنتاج الصناعي القائمة على التكنولوجيا والاستدامة.
فهي ليست مجرد مبادرة تطوير مهارات، بل إطار مؤسسي متكامل يستهدف بناء جيل من رواد الأعمال الصناعيين القادرين على المساهمة الفاعلة في الاقتصاد الوطني. وتشارك في الجولة الحالية 26 شركة ناشئة تعمل في مجالات صناعية حيوية داخل الدولة، وتقدّم حلولاً تقنية في تحسين سلاسل التوريد، ورفع كفاءة الإنتاج، وتطوير آليات صديقة للبيئة تدعم الاقتصاد الدائري وتقلّل الهدر الصناعي. ويعكس هذا التنوع اتساع الأفق الريادي لدى الشباب، وقدرتهم على فهم التحديات المعقدة التي تواجه الصناعة والتعامل معها بأدوات عصرية تستوعب التغيرات البيئية والتحولات الرقمية.
وتكريساً لهذا الدور، يخضع المشاركون لمسار تدريبي مكثف لمدة ثلاثة أسابيع بإشراف واحدة من كبرى الشركات العالمية المتخصصة، يشمل إعداد النماذج المالية وخطط التشغيل والعروض السوقية، وتُعد هذه المرحلة حجر الأساس في بناء المهارات اللازمة لتحويل الأفكار إلى مشروعات قابلة للتنفيذ، وبعد مرحلة التدريب، تُقيَّم المشروعات لاختيار ست شركات تتأهل إلى المرحلة النهائية، التي ستُعقد في أبوظبي بتاريخ 15 يوليو 2025، تزامناً مع اليوم العالمي لمهارات الشباب. وخلال هذه المرحلة، تُعرض المشروعات أمام لجنة تحكيم متخصصة، ويُمنح الفائزون دعماً مباشراً لتوسيع أنشطتهم والانخراط الفعلي في سلاسل التوريد الوطنية.
ومنذ انطلاقتها، تطورت «حلول شبابية» من مبادرة تدريبية إلى منصة استراتيجية تُسهم في إنتاج حلول صناعية قابلة للتنفيذ. وتعكس المبادرة تحولاً ملموساً في فلسفة تمكين الشباب، من التشجيع النظري إلى التمكين الاقتصادي والمهني، بما ينسجم مع سياسة الدولة في خلق وظائف نوعية للمواطنين.
فالمبادرة يمكن أن تعزز مسار الدولة في التوطين الصناعي المتخصص الذي أسهم في توفير أكثر من 22000 وظيفة صناعية حتى نهاية عام 2024. وتمتاز «حلول شبابية» بتكامل عناصرها وتماسك منهجيتها، إذ لا تكتفي بتقديم التدريب أو الدعم المالي منفصلَين، بل تتبنى حلقة تنموية متكاملة تبدأ من تنمية المهارات، وتمر بصقل النماذج التشغيلية، وتنتهي بربط المشروعات الفعلية بسوق الإنتاج المحلي.
وتنظر المبادرة إلى الشباب باعتبارهم عنصراً محورياً في البنية الصناعية المستقبلية، وتتعامل مع أفكارهم كجزء من الإنتاج الوطني لا كمبادرات فردية منعزلة، وهو ما يمنحها قابلية التوسّع والتكرار ضمن سياقات أخرى في العالم العربي.
وتعزز هذه المبادرة مكانتها ضمن بيئة صناعية تشهد نمواً متسارعاً في دولة الإمارات، حيث ارتفعت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 208 مليارات درهم في عام 2024، بنمو قدره 57% منذ عام 2020، كما وصلت الصادرات الصناعية إلى 197 مليار درهم، بزيادة 68% منذ عام 2021. وتهدف الدولة من خلال «مشروع 300 مليار» إلى رفع مساهمة القطاع الصناعي إلى 300 مليار درهم بحلول عام 2031، مدعومة بحزم تمويلية بلغت 94.8 مليار درهم حتى نهاية 2024، مما يعكس دور الصناعة كمحرك للتحديث الاقتصادي ومصدر للفرص أمام الكفاءات الوطنية.
ومن منظور استشرافي، تحمل الجولة السابعة من «حلول شبابية» بُعداً استراتيجياً مهماً، إذ يمكن للشركات الناشئة المختارة أن تسهم بملايين الدراهم في الناتج الصناعي خلال الأعوام المقبلة، خاصة إذا تم دمجها في سلاسل التوريد الحكومية أو مشروعات الاقتصاد الأخضر. كما أن التوجه نحو التقنيات منخفضة الانبعاثات يتسق مع التزام الإمارات بتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، ما يضيف للمبادرة بعداً بيئياً يعزز من مكانتها التنموية.
وفي المجمل، لا تُعد «حلول شبابية» مجرد مبادرة تنموية، بل رؤية شاملة لصناعة المستقبل بعقول شابة، وطموحة، وواعية بدورها المحوري. إنها تعكس يقيناً إماراتياً بأن الشباب ليسوا مستقبل الصناعة فقط، بل حاضرها وصانعو تحولها، من المصانع إلى المختبرات، ومن الفكرة إلى السوق.
*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
إقرأ المزيد