جريدة الإتحاد - 7/25/2025 11:52:11 PM - GMT (+4 )

من سياق عرضنا وتحليلنا لمساوئ الأفكار المستوردة وتطبيقاتها في دول العالم العربي يتضح بأن الأديان هي الضحية الأولى لكل من الرأسمالية والاشتراكية على حد سواء، لأنه في الأديان تكمن أنماط الأخلاق المتعلقة بالسلوك الإنساني القومي الذي يضمن العدالة في العلاقات الإنسانية والاجتماعية. لذلك فإن ما ننتقده هو الجوانب السلبية في الفكر الغربي من رأسمالية واشتراكية من زوايا استغلال البشر والتوسع في أوطانهم وجوانب الجشع والأنانية البغيضة، وارتباط الرأسمالية اللصيق بالإمبريالية التوسعية وقهر الشعوب المستضعفة.
نقوم بذلك للأسباب نفسها التي ننتقد وفقاً لها تطبيقاتها في العالم العربي، وهذا حديث ينطبق على الرأسمالية مثلما ينطبق على الاشتراكية، فكلاهما تنظران إلى الحياة من زوايا مادية صرفة رغم أن كل واحدة منهما تمارس ذلك بطريقتها الخاصة، وكلاهما فشلتا في الممارسة والتطبيق، ولم تتمكنا من تحقيق التنمية ومن خلق مجتمعات يكون فيها الإنسان قادراً على العيش ككائن بشري حياة تضمن له الحرية والرفاهية في أقصى درجاتها الممكنة حياة فيها العدالة والمساواة والقيم الحميدة، وكلاهما بعيدة في الفكر والطرح والتطبيق عن أخلاق العرب وشيمهم الحميدة، وعن معتقدهم الديني السماوي، وهو الإسلام الحنيف.
الأفكار الأيديولوجية الغربية لم تنجح في مجتمعات الدول العربية، وفي أوساط مواطنيها، لأنها بعيدة عن فكرهم وأخلاقهم ومعتقدهم الديني. العرب في شتى أنحاء العالم العربي متمسكون بأخلاقهم العربية والإسلامية النبيلة الموجودة بعمق في تراثهم المجيد بجوانبه كافة. تلك الأخلاق تشير إلى أن جميع البشر متساوون، وقيمة الإنسان لا يتم تحديدها من خلال ما تملكه من مال، بل من خلال مناقبه الحميدة، وما يقدمه للبشرية من خير، وبأن الجميع يجب أن يمنحوا الفرصة للارتقاء في السلم الاجتماعي، وبأن الثروة يجب أن يتم كسبها عبر الوسائل المشروعة المتاحة، وبأن يتم إنفاقها في أوجه الخير وبالوسائل التي تخدم البشر والأوطان، وبأن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية يجب أن تقوم على العدالة والمشروعية، وبأن لا يتم استغلال البشر وإجبارهم على القيام بأي فعل مشين أو غير عادل، وبأن يتم تمكين البشر من العيش بحرية وشرف وكرامة، وبأن ذلك يأتي فوق جميع الضروريات الأخرى للإنسان، وبأنه يجب تقوية الروابط الإنسانية بين جميع البشر، وبأن جميع البشر يجب أن يتعاونوا كقيمة أخلاقية.
وبالعودة إلى ما طرحناه من نقد لكل من الرأسمالية والاشتراكية كنماذج فكرية مستوردة تم الاعتماد عليها في عمليات التنمية، وطرحنا بأن التجربتين فشلتا في التطبيق، فمن المتوقع أن تتم مطالبتنا بتقديم البديل! لكن هل ذلك أمر ممكن؟
وعند الحديث عن تقديم فكر جديد تغدو العملية أكثر صعوبة وبالغة التعقيد، فالأمر لن يتوقف عن طرح أفكار ومفاهيم جديدة بعيدة عن الأفكار السائدة في عالم اليوم بطريقة خالصة التجريد، أو عن طريق تقديم مجموعة توصيات وأفكار ونصائح أخلاقية أو مثالية لما يجب أن يكون عليه الواقع، ومن ثم يتحقق المطلوب، ونكون قد قدمنا مقترحاً فكرياً حول الذي يجب أن تتبعه الدول العربية المعنية لتحقيق التنمية لديها، فالمسألة ليست بهذه البساطة أو السطحية، وهي أعمق وأعقد من ذلك بكثير. وللحديث صلة
*كاتب إماراتي
إقرأ المزيد