الإمارات بيئة جاذبة لمواهب الذكاء الاصطناعي
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

تتزايد حدَّة المنافسة العالمية على استقطاب مواهب الذكاء الاصطناعي والمتخصصين في موضوعاته، على اعتبار أن هذه التكنولوجيا باتت مسألة ذات أبعاد اقتصادية واستراتيجية مؤثرة. ويؤكد ما تقدَّم تقرير صدر أخيراً عن مجموعة بوسطن الاستشارية بعنوان «إلى أين سيذهب عباقرة الذكاء الاصطناعي غداً؟»، وخلُص إلى أنه في حين لا تزال الولايات المتحدة أفضل بيئة جاذبة في العالم لعقول الذكاء الاصطناعي، إلا أن دولاً ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة تُهيئ نفسها لأن تصبح بيئة أكثر جذباً، لا سيَّما مع التغيُّرات التي تمر بها السياسات الأميركية، خاصة في مسألة التشديد في قيود الهجرة.

وتبعاً لوجود شركات عملاقة في التكنولوجيا، مثل «مايكروسوفت»، و«جوجل»، و«ميتا»، و«أوبن إيه آي»، فإن الولايات المتحدة تعدُّ المركز الأهم عالميًّا للذكاء الاصطناعي، وتصرف تلك الشركات مئات المليارات من الدولارات سنويّاً على تطوير هذه التكنولوجيا.

ومع ذلك، بدأت سياسات الهجرة الجديدة، والتخفيضات التي تشهدها التمويلات الحكومية التي تذهب بصفة رئيسة لأبحاث الذكاء الاصطناعي في القطاع الأكاديمي في التسبب بتراجع تدفُّق المهارات العاملة والطلبة الأجانب الذين يتخصصون في موضوعات الذكاء الاصطناعي، وهما الفئتان اللتان تعدان تاريخياً من المجموعات النخبوية التي لطالما دفعت الحدود التكنولوجية للولايات المتحدة.

وجادل التقرير بأن انخفاض حصة الولايات المتحدة في استقطاب أفضل المواهب العالمية في الذكاء الاصطناعي سيكون في صالح القوى «المتوسطة» في هذه التكنولوجيا، وهي الدول التي لا يمكن أن تُضاهي الولايات المتحدة من حيث الحجم، ولكنها تمتلك من الموارد والنية الاستراتيجية ما يكفي لمنافستها كبيئة جاذبة للمواهب. وتأتي دولة الإمارات ضمن تلك الدول، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا واليابان وأستراليا.

ولا تعدُّ نتائج تقرير مجموعة بوسطن الاستشارية مفاجئة إلى حد بعيد، فالإمارات تمتلك طموحات مُعلنة في الذكاء الاصطناعي، بل جعلت التقدُّم فيه أولوية وطنية بحيث عيَّنت له أول وزير يختص بشؤونه في العالم، وأطلقت حكومتها استراتيجيات ومبادرات نوعية، سعياً إلى دمجه في جميع مناحي الحياة، ومختلف القطاعات الحيوية. وتحتضن الإمارات كذلك جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كأول جامعة من نوعها في العالم تركِّز على الدراسات العليا المرتبطة بهذه التكنولوجيا، بالإضافة إلى إنشاء مراكز وطنية تسهم في إنتاج الأبحاث عالية المستوى في موضوعات الذكاء الاصطناعي.

ونجحت الإمارات أيضًا في إقامة شراكات عالمية مع رواد هذه التكنولوجيا المغيِّرة، وجميعها جهودٌ تشير إلى تصميم واضح على جذب المواهب المتميزة عالميّاً، والاستثمار في تنمية الأجيال المقبلة من الكفاءات الوطنية. وتبرز عوامل عدَّة تجعل من دولة الإمارات بيئة مرغوبة لقدوم الكفاءات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، من بينها الدعم الحكومي الكبير الذي يتضمن منحَ الإقامة لأصحاب المواهب المتميزة في المجالات ذات الأهمية، والحماية التنظيمية المتقدمة لمشروعات التكنولوجيا، وجودة الحياة والمستويات العالية للمعيشة الاجتماعية، وسمعة الإمارات في مجالات الأمن والأمان، والمرافق الرقمية عالية المستوى، والمناطق الاقتصادية المتقدمة لوجستيًّا، إضافة إلى كون الإمارات مركزاً للشركات الدولية، وهذه كلها أمورٌ تسهِّل استقطاب تلك الكفاءات، بل تقدِّم بيئة العمل في الإمارات للعديد منهم فرصاً قد لا تتوافر في أي دولة أخرى، ومنها سهولة تسويق الابتكارات وإقامة الشركات، وهو واقعٌ أكَّدته دراسة بحثية صدرت العام الماضي عن «غرفة أبوظبي»، وظهر في نتائجها أن الإمارة شهدت تأسيس ما معدله شركة ذكاء اصطناعي واحدة كل يومين، بل تصدَّر الذكاء الاصطناعي قائمة القطاعات الأسرع نموّاً من ناحية عدد الشركات التي تم إنشاؤها في ذلك العام.

لقد بدأت الإمارات تشكِّل لنفسها مكانة محورية ضمن أفضل الوجهات الجاذبة للعقول والمهارات العالمية في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وبصورة سوف تجعل منها إحدى أهم البيئات التي ستحدِّد مسارات الأجيال التالية من الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المستقبلية، في ظل ما تتمتع به من عوامل جذبٍ للقوى البشرية المؤهلة، والمشروعات العملاقة التي تتوجَّه الإمارات إلى إقامتها، وتتضمن إنشاء أكبر مراكز بياناتٍ في العالم للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة.



إقرأ المزيد