البحث عن المعنى
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

عنوان المقال هو اقتباس من عنوان لكتاب عالم النفس النمساوي «فيكتور فرانكل»، حيث يتحدث الكتاب عن الإنسان الباحث عن معنى لحياته، ومن دون ذلك تبقى الحياة إناء فارغاً، وفراغاً وجودياً يلازم الإنسان، يؤدي به إلى حالة من عدم التوازن، وشعور بفقدان الهوية، وانسحاق ذاتي تحت عجلة الأمراض النفسية الفتاكة، والتي قد تؤدي إلى فقدان الشعور بأهمية الحياة، فيصبح الإنسان تواقاً للهروب إلى الخلف، والسعي إلى استكمال تاريخ المعايشة مع الآخر، بصورة دونية مقيتة. 
اليوم أصبح العالم يعاني فجوة واسعة بينه والمكان والزمان، ويعيش حالة من الذعر جراء وجوده في دائرة مفعمة بالمخاوف من ذلك الفراغ الوجودي الذي يلتهمه، كما تفعل الموجة العارمة التي تطوي عمر الإنسان العاجز عن السباحة في وجه الموجة الباطشة. انتشار أمراض الإدمان والاكتئاب والعدوانية، كلها تقع تحت طائلة الفراغ الوجودي، وانعدام المعنى. 
يقول فردريك نيتشه، الفيلسوف الألماني: «من لديه سبب يعيش من أجله، غالباً ما يتحمل الحياة كيفما كانت». فليس المهم البحث عن متعة في الحياة، بل المهم هو البحث عن سبب للحياة. لهذا السبب برزت اليوم النظرية الثالثة في العلاج النفسي، وهي تحديد معنى لحياة المريض حتى يشفى، ويخرج من دائرة انعدام المعنى، وقد خرج «فرانكل» من بحثه العميق على مدى سنوات بعد نجاته من معتقلات النازية بالنظرية النفسية الثالثة، والتي تلت نظرية التحليل النفسي عند فرويد، ونظرية علم نفس الفرد لدى ألفرد أدلر، وقد ابتكر فرانكل هذه النظرية بناء على تجارب حية وعلاقات واعية مع مساجين في معتقلات النازية، وتهدف نظرية فرانكل إلى البحث عن معنى للحياة في علاجه لمرضاه، وقد أفلح كثيراً في علاج بعض المرضى، على الرغم من أن البحث عن المعنى قد لا يفيد كثيراً أو لنقل بشكل أوسع وأعمق، إن النظرية تبدو ناقصة إلى حد ما فيما لو تفحصنا تفاصيلها، وعمقها العلاجي، ولكن يبقى الأمر معلقاً إلى أن تثبت التجارب العلمية أن هناك شيئاً ما يبقى مختبئاً في غضون النفس البشرية لم يتوصل إليه فرانكل، ولم يستطع اكتشافه، ويحتاج الأمر إلى الاتكاء على دراسة تاريخ المجتمعات، ومعرفة الجذر الحقيقي للأمراض النفسية.
فلا يكفي وضع اليد على المعنى الضائع من دون ملامسة «المفاهيمية»، وكيف تؤثر هذه في غيابها من ضياع البوصلة لدى الأفراد. ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى الدخول في حومة المرض النفسي، هي الفهم للمعاني والمصطلحات، والتي تتعلق بالأساطير، والتي تصبح بعد حين ثوابت فكرية يخضع البشر لها، فتتحكم في مدركاتهم، وتسوق وعيهم إلى محارق فكرية مؤلمة ومؤسفة، وهذه في حد ذاتها تحتاج إلى دراسات معمقة لدور الأسطورة والخرافة في تحديد سلوك الأفراد، وتعاطيهم معها كثوابت يؤمنون بها، فتحدد مستوى تعلقهم بها.



إقرأ المزيد