جريدة الإتحاد - 9/16/2025 12:18:45 AM - GMT (+4 )

- صارت بعض النساء في أوروبا العجوز تطالب بعدم المساواة مع الرجل، وتتمنى أن ترجع لحالها كأنثى وامرأة بيت وربة منزل، تهتم ببيتها وتربية أولادها، بعدما جربت الحياة العملية القاسية جداً، وكيف تمتهنها الأشياء فيها كل يوم، بحيث يمكن أن تخرج من بيتها في الساعة الخامسة فجراً لكي تلحق بالقطار الذي سيأخذ ساعة ونصف أو ساعتين من وقتها في الظروف العادية غير أوقات الشتاء القارس أو هطول المطر الشديد أو الثلج لكي تصل لعملها على الوقت، وتظل متحملة ضغوطات العمل ومزاجية بعض الزملاء، ومتطلبات المدير، ولتخرج لمدة ساعة لتتناول غداءها وتأخذ استراحة قليلة، لتعود للعمل حتى الساعة الخامسة لتعود بعدها لبيتها في مشوار في المواصلات العامة أو بالقطار لتصل قبل المغرب لبيتها منهكة، ثم تواصل عمل المنزل من غسيل وكي ملابس وتحضير وجبة طعام والجلوس مع الأبناء والزوج، بعدها ستنام لتصحو على نفس البرنامج لمدة 11 شهراً، إجازتها شهر أغسطس ويومي السبت والأحد فقط، مع كثير من الضرائب المنظورة وغير المنظورة لا يتحملها جسد امرأة أنثى، حيث تترصده الشيخوخة المبكرة، ورحلة الأدوية والعلاجات والتأمينات الصحية الناقصة!
- هناك رسام عجوز في ساحة «مونمارتر» في باريس، لا يرسم إلا طيف تلك الفتاة المراهقة التي مرت على عمره، وحفرت فيه بأظافرها، وهو لا يتمنى أن يرى غيرها، لذا كل لوحاته تلك الفتاة في لحظات ولادتها مع الماء، بشعرها المبتل، ومزاغاة الماء للجسد، أعرفه منذ ثلاث وثلاثين سنة على الأقل، اقتنيت بعض لوحاته، وأصوره أحياناً، له عينان صافيتان زرقاوان مثل سماء باريس صيفاً، غير أن الزمن ما زال يطبع على جبينه خطوطاً من العمر وشقاء الأيام، هو مثل واحد من «شوابي»، ما إن أصل إلى باريس حتى أذهب لأطمئن عليه، فأفرح إن رايته يتحرك، وأقول: ما زالت هناك حياة جميلة يمكن أن لا تعد أيامها، هذه المرة ذهبت لموقع الرسامين، لكني لم أجده، فبدأ القلق يلعب بي، قلت: ربما ذهب في استراحة الغداء، أو دعته تلك الرسامة العجوز التي تحاول دائماً التودد له، فلا يستجيب إلا لصحن الغداء المجاني التي تحضره، انتظرت قرابة الساعتين، ولم يعد، غادرت المكان خائفاً من السؤال عنه، لصدمة ما قد تأتي به الإجابة التي لا أريدها، وليتها تؤجل خبرها، فأحياناً تتمنى لو أن الإجابة تظل عائمة، ولا تكون صدمتها، ذهبت قلقاً، وبقيت أؤجل الذهاب ثانية ليومين وثلاثة، بعدها قلت لأذهب، وحين وصلت وجدته في زاوية داخلية اعتاد الجلوس فيها، ارتحت مع صلوات الحمد، فقد كان هناك اليوم شيء أكثر من الفرح، وأقرب إلى السعادة، وأن الحياة ما زال فيها متسع من الوقت.
إقرأ المزيد