نفط العراق و«التموضع» الأميركي
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

عندما غادرت شركةُ «أكسون موبيل» الأميركيةُ العراقَ في منتصف نوفمبر عام 2023، باعت حصتَها البالغة 32.7 بالمئة في حقل غرب «القرنة1»، وهو من أكبر الحقول النفطية، إذ ينتج 500 ألف برميل يومياً، حيث اشترت منها نسبةَ 10 بالمئة شركةُ «برتامينا» الإندونيسية لترفع حصتها الإجمالية إلى 20 بالمئة، ونحو22.7 بالمئة اشترتها شركة نفط البصرة التي بدورها باعتها إلى شركة «بترو تشاينا» الصينية التي ارتفعت حصتها الإجمالية في الحقل إلى 32.7 بالمئة، وبذلك أصبحت المستثمر الأكبر والمشغل الرئيسي للحقل بدلاً من الشركة الأميركية.
 أما الأسباب، فتتعلق بالانسحاب التدريجي للشركات الأميركية والأوروبية من قطاع الطاقة العراقي منذ عام 2013، وكان آخرها شركة «أكسون موبيل»، وهي أسباب سياسية وأمنية بالأساس، تليها صعوبة الشروط وتضاؤل الأرباح، نتيجة تطبيق عقود خدمة، إضافة إلى عدم القدرة على منافسة الشركات الصينية التي تقدم عروضها بأسعار منخفضة جداً، وأصبحت تسيطر على 13 حقلاً من النفط والغاز، وبلغت فاتورة استيرادها للنفط العراقي نحو 40 مليار دولار سنوياً. ومع الإشارة إلى أن الهجمة الصينية مستمرة، وقد سُمع صداها بحضور 62 شركةً «ملتقى العراق للاستثمار» المنعقد في 27 سبتمبر الماضي، تليها 33 شركة سعودية و32 شركة تركية.
لكن تلبية للدعوات العراقية المتكررة إلى الشركات الأميركية، خصوصاً الصادرة عن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، لاستئناف استثماراتها في العراق، في ظل تأكيد حرصه على توفير الاستقرار الأمني وإعادة بناء الثقة مع كبريات الشركات العالمية، وإعادة النظر في صيغ التعاقد لتكون أكثر جاذبيةً ومرونةً، من صيغة «عقود الخدمة» إلى «عقود المشاركة».. لذا بدأت الشركات الكبرى في العودة إلى العراق.
وقد وقعت شركة «أكسون موبيل»، في الثامن من أكتوبر الجاري، اتفاقيةً مع الحكومة العراقية لتطوير حقل «مجنون» العملاق، وهو من أغنى الحقول في العالم، إذ تقدر احتياطاته بنحو 58 مليار برميل نفط و38 تريليون قدم مكعبة من الغاز، بقدرة إنتاجية تصل 600 ألف برميل يومياً، حسب تصريح لمدير الحقل ضياء شاكر. وسبقتها شركة «هاليبيرتون» الأميركية باتفاق وقّعته مع شركة نفط البصرة في فبراير الماضي لتطوير حقلي «نهربن عمر» و«السندباد». كذلك شركة «شيفرون» التي وقّعت في 19 أغسطس الماضي مذكرةَ تفاهم لتطوير 4 رقع استكشافية في حقل «الناصرية» النفطي. وشملت العودةُ أيضاً شركةَ النفط البريطانية «بي بي» عبر اتفاقية وقّعتها في فبراير الماضي لتطوير احتياطيات نفطية تبلغ 9 مليارات برميل، تقع داخل حقول واعدة في كركوك. ويبقى اللافت أن عودة الشركات الغربية إلى العراق، ترافقت مع تحضيرات لانسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة القوات الأميركية، والتي بدأت فعلاً بالانسحاب من البلاد وفق خطة تمتد حتى سبتمبر 2026. ورغم أن هذا الانسحاب يشكل منعطفاً سياسياً قد يعيد رسم خريطة النفوذ الدولي، خصوصاً في ظل اشتداد التنافس بين المصالح الصينية والمصالح الأميركية، فقد وصفته واشنطن بأنه «إعادة تموضع محسوبة»، حيث ستظل على اتصال بالعراق، بهدف المساعدة وتقديم المشورة، وتمكين بغداد من مكافحة الإرهاب (وفق تصريحات لمسؤول في وزارة الدفاع الأميركية). وتشير المعلومات المتاحة إلى أن قسماً من القوات الأميركية سيتموضع في أربيل، وقسماً آخر سيتجه نحو شرق سوريا.
وهكذا، يشهد العراق مرحلةً دقيقةً من التحولات السياسية والاقتصادية، وربما الأمنية، مع تركيز الاهتمام على ترقب نتائج الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 نوفمبر المقبل، والتي قد تعيد رسمَ توازن القوى داخل النظام السياسي بعد عقدين من التغييرات المتلاحقة، خصوصاً أن العراق لم يعد مجردَ دولة منتجة للنفط، بل أصبح إحدى ساحات الصراع بين أكبر اقتصادين في العالم.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية



إقرأ المزيد