جريدة الإتحاد - 10/18/2025 12:57:22 AM - GMT (+4 )

إنجاز جديد يُضاف إلى قائمة إنجازات دولة الإمارات العربية المتحدة في التكنولوجيات الناشئة، حيث حققت شركة «إي آند»، وجامعة نيويورك أبوظبي هذا الأسبوع أول تجربة ناجحة في منطقة الشرق الأوسط لتقنيات الجيل السادس من الاتصالات اللاسلكية؛ حيث استطاع فريق العمل التغلُّب على تحديات هندسية وتقنية معقَّدة للوصول إلى نطاق «التيراهيرتز»، ونجح في تأمين نقل مستقر للبيانات وصل إلى 145 «جيجابت» في الثانية، كسرعة تتفوق على سرعات الشبكات الحالية من الجيل الخامس بنحو خمسين ضعفاً.
وتعكس الأسس التي قامت عليها التجربة قدرات متقدمة في أبحاث الترددات الراديوية، وعلوم المواد الفائقة، وكذلك في هندسة الهوائيات، وهي مجالات علمية هيمنت عليها تقليدياً دولٌ مثل الولايات المتحدة واليابان والصين؛ ما يعني أن التجربة تحمل قيمة استراتيجية كبيرة تمهِّد لأن تكون دولة الإمارات إحدى أهم البيئات العالمية في تصنيع التكنولوجيات التمكينية وابتكارات الجيل السادس، ومن أوائل الدول التي ستنشر شبكات هذه الاتصالات المتقدمة على أراضيها.
وبعيداً عن التفاصيل التقنية للإنجاز، فإن نجاح التجربة يأتي في إطارِ طموحات الإمارات في الاستفادة مبكِّراً من الجيل التالي من الاتصالات، ليضعها ذلك بين مصاف دولٍ قليلة تستكشف اليوم طيف الترددات العالية من فئة «التيراهيرتز». وتاريخيّاً، كان للانتقال إلى جيل جديد من تكنولوجيات الاتصالات اللاسلكية آثار تحويلية كبيرة على الاقتصاد والمجتمع، ولكن الجيل السادس سيسمح عند نشره بالتوسُّع في تطبيقات مغيِّرة للعالم، مثل المركبات ذاتية القيادة كليّاً، والمدن التي تتميَّز بالذكاء الشمولي، والنقل شبه اللحظي للبيانات الضخمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي وتشغيلها، وعوالم الميتافيرس التي قد لا يُمكِن تمييزها عن العالم الحقيقي، والخدمات اللوجستية الذكية، والأتمتة الصناعية، وحتى العمليات الجراحية الدقيقة باستخدام الروبوتات عن بُعد، هذا إلى جانب تأمين كفاءات غير مسبوقة في استهلاكات الطاقة؛ وهي في مجملها أهداف تتوافق مع توجُّهات الإمارات في أن تكون بيئاتها الأكثر تقدُّماً في العالم.
إضافة لما ذُكر، تنسجم تجربة الجيل السادس مع المبادرات الوطنية في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء؛ حيث يجري تصميم البنى التحتية اللاسلكية للجيل التالي مع مراعاة الاستدامة مبدأً أساسياً، وبهدف تحقيق خفضٍ في استهلاك الطاقة بما يصل إلى 100 مرة أقل، مقارنةً بتقنيات الجيل الخامس الحالية. ومع تسريع دولة الإمارات تحوُّلها نحو اقتصاد قائم على المعرفة ومنخفض الكربون، فإن كفاءة استخدامات الطاقة في الاتصالات على مستوى «التيراهيرتز» ستكون أمراً حيويّاً لتحقيق التوازن بين النمو الرقمي والمسؤولية البيئية.
وفي الواقع، فإن هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق من دون وجود بيئة حكومية مشجِّعة؛ حيث تقوم هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية (تدرا) بدور محوري في تنسيق الشراكات البحثية بين شركات الاتصالات والأوساط الأكاديمية، وبما يضمن مساراً يمكن معه للأبحاث المتطوِّرة الانتقالَ وبسرعة من النماذج الأولية في المختبر إلى تقنيات قابلة للنشر والاستخدام، وبما يقلِّص كثيراً من الفجوة بين الابتكار والتطبيق التي تُبطئ عادةً التقدم التكنولوجي. وعلى المستوى الجيوسياسي، تعكس جهود دولة الإمارات في تكنولوجيات الجيل السادس دوراً متنامياً في أنظمة الاتصالات العالمية؛ كمجال استراتيجي يرتبط بالتنافسية الاقتصادية، وسيادة البيانات، والأمن الوطني.
وبدخولها المبكِّر في هذا الجيل، فإن الإمارات ستمتلك من مستويات التأثير ما يسمح لها بالمشاركة في صياغة معايير هذا الجيل الدولية، ولعب دور فاعل في مشروعات حوكمته العابرة للحدود، والأهم تأكيد مسار تحوُّلها إلى إحدى قوى التكنولوجيا العالمية في مجال الاتصالات اللاسلكية بعد أن صُنِّفت أخيراً كثاني أفضل دول العالم في الذكاء الاصطناعي، بعد الولايات المتحدة؛ وجميعها أمور تعكس رؤية القيادة الرشيدة في تشجيع التميُّز والريادة ضمن مختلف مجالات المعرفة.
* صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
إقرأ المزيد