الترسيم البحري وتشابك المصالح بالمتوسط
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

مر أكثر من عامين على اندلاع الحرب الإسرائيلية ضد غزة ولبنان، والتي لا تزال مستمرةً عبر عمليات عسكرية متنوعة وبأشكال مختلفة.

ومنذ بداية العهد الجديد برئاسة جوزيف عون في يناير الماضي، يتصاعد حديث اللبنانيين بإصرار على استكمال ترسيم الحدود براً مع إسرائيل، وبحراً مع قبرص، وبراً وبحراً مع سوريا. وقد نجح لبنان في إنجاز الترسيم البحري مع قبرص وأقرته الحكومة في 23 أكتوبر الماضي، وسط استمرار التفاوض مع سوريا لإنجاز ترسيم الحدود البرية والتحضير لترسيم الحدود البحرية.

وهذا مع الأخذ في الاعتبار أن اتفاقية عام 2007 الموقعة بين لبنان وقبرص تنص على أنه لا يمكن لأي من البلدين توقيع اتفاق مع طرف ثالث من دون التوافق أو التفاهم مع دول أخرى مجاورة، الأمر الذي يؤدي إلى تسريع مسار الترسيم مع دمشق للاتفاق على نقاط «خلافية» بين البلدان الثلاثة، أبرزها الخط 23 عند التقاء الحدود اللبنانية القبرصية الإسرائيلية، والنقطة المشتركة «رقم 7» عند الحدود اللبنانية القبرصية السورية.

أو ربما إلى تعثره، مع بروز دور تركيا التي يرتقب أن تكون غير راضية، وهي تفضل إنجاز عملية الترسيم في البحر المتوسط بالتفاهم معها، وذلك انطلاقاً مما تعتبره عائداً لها مع قبرص الشمالية. لذا لابد من انتظار تعاطي سوريا في مفاوضات الترسيم مع قبرص، وترقب احتمال حصول رد فعل تركي سوري مشترك، مع الإشارة إلى أنه بعد سقوط النظام السابق في سوريا صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن تركيا ستعمل سريعاً مع الإدارة السورية الجديدة لترسيم الحدود البحرية، وهو ما أزعج قبرص التي تعتبر نفسَها متضررةً من أي نفوذ تركي. وكذلك تتمسك تركيا بأن تكون شريكة في ترسيم الحدود البحرية في المتوسط، لما تعتبره حقاً لها في جمهورية قبرص الشمالية وحدودها البحرية التي لا يمكن لنيقوسيا الترسيم من دون التفاهم معها.

وإضافة إلى تركيا، تبرز المصالح الروسية التي تتمثل بعقود حصلت عليها شركات روسية في العهد السابق، وتسعى موسكو حالياً مع العهد الجديد للحفاظ عليها تمهيداً لاستثمارها، وهي تغطي مناطق عدة تشمل البلوك «رقم 1» في المنطقة الاقتصادية الخالصة لسوريا قبالة الساحل، حتى الحدود السورية اللبنانية، وتعود رخصته إلى شركة «كابيتال ليميتد» الروسية، لكن استثماره يخضع للاتفاق المرتقب بين البلدين، لأنه يتداخل مع البلوكين اللبنانيين «رقم 1» و«رقم 2» بمساحة تقدر بنحو 750 كيلومتراً مربعاً للبلوك الأول وألف كيلومتر للثاني.

وهكذا تتداخل الحدود البحرية السورية مع لبنان جنوباً، ومع تركيا شمالا، ومع قبرص غرباً. و«تتشابك» المصالح في ضوء تحوّل حوض غاز شرق المتوسط الاستراتيجي إلى بؤرة للتوترات الإقليمية نتيجة تنازع الدول «المتشاطئة» على البدء باستثمار حصصها في خزان يحتوي (وفق تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية) على احتياطي بنحو 1.7 مليار برميل من النفط، و122 تريليون قدم مكعبة من الغاز. وتقدر حصة سوريا بنحو 6.5 في المئة من إجمالي كمية الغاز في هذه المنطقة.

وفي ظل كل هذه التعقيدات، تواجه سياسة الحياد التي أعلنتها الإدارة السورية الجديدة، اختباراً صعباً في تجنب الانخراط في صراعات شرق المتوسط، مع الحفاظ على حقوق الشعب السوري في ثرواته البحرية. ولعل الاستفادة من التغيّرات السياسية «الدراماتيكية» تقتضي دعوةَ مستثمرين جدد، بالتوافق على مشاريع الاستثمار المشترك مع الدول المعنية، وبناء شبكة من مصالح مشتركة تعود بالازدهار على شعوب المنطقة، وتسهم في طي صفحة الحروب والصراعات الجيوسياسية.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية

 



إقرأ المزيد