حين يُهاجَم الضوء.. وتتكشف الظلال في السودان
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

حين كتبنا في المقال الأول عن جذور الإمارات وقيمها ونقاء نهجها، لم يكن ذلك ترفاً أدبياً، بل كان ضرورة لفهم سبب استهداف هذا الوطن في اللحظة التي يتوجّب فيها على البعض مواجهة الحقيقة. فالهجوم على الإمارات لا ينفصل عن نقائها، كما لا ينفصل عن رغبة البعض في صناعة خصمٍ وهميٍّ يعلّقون عليه فشلهم. ومن هذا الارتباط بين صفاء الأصل وتشويه الواقع تبدأ مقدمة هذا المقال، لأن فهم دوافع الهجوم يكشف تلقائياً دوافع إخفاء الجرائم التي تُرتكب في السودان.

فالسودان اليوم يعيش واحدة من أعنف الكوارث الإنسانية في تاريخه، حرباً تشقّ المدن وتنهش القرى، وتترك خلفها آلاف الضحايا الذين لا يجدون من يحميهم أو حتى من يسمع أصواتهم. الانتهاكات هناك ليست مجرد حوادث متفرقة، بل سلسلة طويلة من الفظائع: استخدام الأسلحة الكيميائية، تجنيد الأطفال، الإعدامات الميدانية، الاعتداءات الجنسية، والقصف العشوائي الذي لا يفرّق بين بيتٍ ومدرسة أو بين أم وطفل. يضاف إلى ذلك حصار المدن، ومنع المساعدات الإنسانية، وتحويل الغذاء والدواء إلى أدوات ابتزاز سياسي.

هذه جرائم حرب مكتملة الأركان، يعرفها كل من تابع تفاصيل المشهد السوداني. ومع ذلك، يصرُّ بعض الأطراف على خلق ضباب كثيف يُخفي مصدر النار الحقيقي. فبدل أن تواجه الأطراف المتحاربة مسؤولياتها المباشرة، تُفضِّل صناعة اتهامات خارجية علّها تخفف عنها ضغط المحاسبة، وكأن نقل اللوم إلى دولة أخرى يمكن أن يمحو ما ارتكبته أيديهم على الأرض. وهكذا بدأت حملة التضليل ضد الإمارات، رغم أن الإمارات لم تكن طرفاً في الحرب، ولم تحمل سلاحاً فيها، ولم تبحث يوماً عن نفوذ بين ركام المدن السودانية. ولا يمكن تجاهل أن جزءاً كبيراً من هذا الهجوم الموجَّه لا يصدر من داخل السودان، بل تحرُّكه جماعات «الإخوان» عبر فروعها المنتشرة في دول احتضنت خطاب التحريض والفوضى.

هذه الجماعات التي اعتادت اختلاق الخصومات وإعادة تدوير الأكاذيب ضد كل دولة عربية ناجحة، سخّرت منصاتها وشبكاتها الإعلامية لخلق رواية زائفة تربط الإمارات بما يجري في السودان، فقط لأن الإمارات تمثّل النموذج الذي يعاكس مشروعهم القائم على الفوضى. واللافت أن معظم الذين يقودون هذه الحملات يعيشون في بيئات تتغذّى فيها جماعة الإخوان المتأسلمين، ويحرّضون من وراء الشاشات، بينما يشاركهم مغرّدون باعوا ضمائرهم بدنانير قليلة، لا يعنيهم من يموت ولا من يحيا، ولا يرفّ لهم جفن أمام المعاناة اليومية للسودانيين. إنّ ربط الإمارات بما يحدث في السودان لا يجد أيَّ سند أخلاقي أو سياسي أو منطقي، لأن الإمارات اتخذت موقفاً ثابتاً منذ اليوم الأول: إدانة كل انتهاك ضد المدنيين، الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، المطالبة بفتح الممرات الإنسانية، وحماية العاملين في الإغاثة، والتحذير من استخدام المساعدات سلاحاً في الصراع.

لم تدعم الإمارات طرفاً على حساب آخر، ولم تُدخل نفسها في لعبة المحاور، ولم تبحث عن مصلحة ضيّقة وسط حرب لا رابح فيها. كان موقفها واضحاً: حماية الشعب السوداني أولاً، والحل السياسي هو الطريق الوحيد لوقف نزف الدم. أما الأطراف التي تبحث اليوم عن شماعة تُعلّق عليها فظائعها، فهي نفسها الأطراف التي تمنع المساعدات من الدخول، وتحاصر المدن، وتستخدم المدنيين دروعاً بشرية. وهي نفسها التي ترتكب الانتهاكات ثم تهرب نحو حملات التشويه خوفاً من محاسبة المجتمع الدولي. هؤلاء لا يريدون الحقيقة، بل يريدون تشتيت الانتباه عنها. إنّ السودان اليوم بحاجة إلى مواجهة واقعية: الحرب لا تُدار بالشعارات، ولا تُخفى جرائمها بصناعة خصوم خارجيين.

والمستقبل لن يُبنى إلا بالسلام، وبإعادة السُّلطة إلى المؤسسات لا إلى الميليشيات، وبجلوس الأطراف المتحاربة إلى طاولة السياسة بدل ساحات القتال. أما اتهام الإمارات فلن يغيّر من الحقيقة شيئاً، ولن يمحو من ذاكرة العالم ما يحدث على الأرض. وفي النهاية، حين يتعرض الضوء للهجوم، فذلك لأن الظلام لا يحتمل وجوده. والإمارات ضوء، وهذا هو ما يزعجهم.

*لواء ركن طيار متقاعد



إقرأ المزيد