الإمارات.. حين يصبح النجاح جريمة في أعين الفاشلين
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

بعد أن تحدثنا في مقالات سابقة عن الإنسان الإماراتي وتربيته وشهامته، ثم انتقلنا إلى كشف حقيقة الجنرالات وما يرتكبونه من مآسٍ في أوطانهم، وتناولنا بعدها الجذور العميقة التي قامت عليها الإمارات والدور الكبير الذي قدمه السودانيون في بناء الدولة منذ اللحظات الأولى للتأسيس، أصبح من الطبيعي - بعد فهم التاريخ ومساراته - أن ننتقل اليوم لفهم سبب هذا الهجوم المنسّق على الإمارات، ومن يقف خلفه، ولماذا تحوّل نجاحها إلى هدف لكل من عجز عن فهمه أو مجاراته.
لا يحتاج المرء إلى كثير من التدقيق ليدرك أن الهجوم على الإمارات في منصات التواصل الاجتماعي لم يعد تعبيراً عن رأي، بل أصبح انعكاساً لأزمات الآخرين أكثر مما هو انعكاس لأي خطأ ارتكبناه. فالدول لا تُهاجم لأنها ضعيفة، بل لأنها قوية، ولا تُستهدف لأنها متعثرة، بل لأنها تجاوزت كل العثرات وصارت نموذجاً يزعج من لا يحتمل رؤية نجاح عربي متماسك لا يمتّ إليهم بصلة، ولذلك تحديداً أصبحت الإمارات في قلب سهام الخصوم؛ لأنها الاستثناء الذي أربكهم، والدولة التي كسرت القواعد القديمة وصعدت بثبات لا يناسب رواياتهم المتهالكة.

ولأن السؤال المشروع هو: لماذا الإمارات تحديداً؟ فالجواب يكمن في أن الإمارات كانت أول دولة عربية واجهت مشروع «الإخوان» المتأسلمين بلا تردد، ورفضت أن تكون ساحة لاحتلال العقول باسم الدين. الإمارات لم تحارب أفراداً، بل حاربت مشروعاً ظلامياً أراد جرّ المنطقة إلى فوضى دائمة. واجهت هذا المشروع بوضوح لأنها دولة قانون ومؤسسات، ولأنها صاحبة وعي أمني وسياسي يدرك الخطر قبل أن يقترب. ولهذا أصبحت هدفاً مباشراً لكل التيارات التي خسرت مشروعها بسبب حزم الإمارات ووضوحها.

ولا يمكن إغفال أن جماعة «الإخوان» المتأسلمين اليوم تعتبر حملتها ضد الإمارات «معركتها الأخيرة». فبعد أن فقدت كل شيء - نفوذها، أدواتها، خطابها، وشرعيتها - لم يتبقَّ لها سوى محاولة يائسة للانتقام من الدولة التي كانت السيف الحازم الذي أجهض مشروعهم وأقصاهم بعزم أبناء زايد. الإمارات لم تُسقط «الإخوان» مصادفة، بل لأن مشروعهم كان خطراً على الأمة، ولأن مستقبل المنطقة لا يمكن أن يُبنى على الفوضى والأوهام التي روجوا لها. لذلك يرون في مهاجمة الإمارات محاولة لاستعادة صوت مكسور، مع أنها مجرد ارتعاشات لجسدٍ سياسي انتهى دوره.
لكن المسألة أعمق من صراع مع جماعات مؤدلجة؛ فالإمارات أصبحت اليوم نموذجاً مزعجاً لكل دولة فقدت طريقها. الإمارات دولة مستقرة، ناجحة، واضحة الرؤية، بنت اقتصاداً متنوعاً، ومجتمعاً متماسكاً، ومؤسسات تحكمها الكفاءة لا الفوضى. هذا النمو حققته الإمارات خلال خمسين عاماً، بينما هناك دول أضاعت نصف قرن وهي تعيد إنتاج نفس الأخطاء. لذلك الهجوم عليها ليس تحليلاً سياسياً بقدر ما هو هروب من مواجهة الحقيقة: الإمارات نجحت، وهم لم ينجحوا.
واللافت أن الإمارات - رغم ذلك - لم تتعامل مع من يسيء إليها بردود انفعالية، بل مدت يد العون حتى لإيران نفسها رغم أن إيران ما زالت تحتل الجزر الإماراتية الثلاث، ذلك لأن الإمارات دولة مسؤولية، تفرّق بين الخلاف السياسي والحاجة الإنسانية، وتدرك أن الموقف الأخلاقي لا يجب أن يكون رهينة غضب أو حسابات ضيقة. هذه هي الدولة الواثقة التي تعرف متى تتخذ القرار بحزم، ومتى تتعامل بإنسانية، ومتى تتجاوز الإساءة لترى الصورة الأكبر.
أما المهاجمون فمعظمهم - للأسف - ليسوا أصحاب موقف. كثير منهم يعيشون في دول فاشلة أثقلت كاهلهم الأزمات، وبعضهم لاجئون متناثرون في دول أخرى يبحثون عن أي جهة يلقون عليها مآسيهم. باعوا كرامتهم قبل أن يبيعوا كلماتهم، وتركوا ضمائرهم على أبواب المنصات، فتحولوا إلى أدوات يحركها المال حيناً والهزيمة النفسية حيناً آخر. أصبحوا عبيداً للفشل قبل أن يكونوا عبيداً لمن يمولهم، يهاجمون الإمارات لأنهم لا يملكون وطناً يستحق الدفاع، ولا مشروعاً يستحق التمسك به.
ورغم ذلك كله، الإمارات لا ترد بالصوت العالي ولا بانفعال الغاضبين، بل تستمر في البناء، والتنمية، والتقدم. دولة تُقاس بالأفعال، لا بالضجيج. وكلما ارتفع البناء ارتفع الضجيج حوله، وهذه ليست مصادفة بل نتيجة طبيعية لمكانة الإمارات التي أصبحت أكبر من أن تُهز بتدوينة أو تشويه. فالهجوم اليوم هو ثمن النجاح، وثمن الريادة، وثمن استقلال القرار، وهو أيضاً شهادة - ربما غير مقصودة - على أن الإمارات تسير في الاتجاه الصحيح.

*لواء ركن طيار متقاعد



إقرأ المزيد