دور الإمارات في الحلول السلمية للأزمة السودانية
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

تواصل دولة الإمارات قيادة حراك سياسي ودبلوماسي واسع النطاق، بهدف وضع حدٍّ للحرب الأهلية في السودان، انطلاقاً من رؤيتها الثابتة بأن الأزمة السودانية تمثّل تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي، وبأن إنهاء الحرب مسؤولية مشتركة تتطلب جهوداً جماعية، عربية ودولية متكاملة. تتحرك الإمارات ضمن أجندة سياسية متوازنة، بالتعاون مع شركائها في «الرباعية الدولية» التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر، عبر دعم مبادرة تقوم على هدنة إنسانية تعقبها عمليةُ انتقال مدني تعيد بناءَ مؤسسات الدولة السودانية.

وفي الوقت الذي عملت فيه دولة الإمارات والولايات المتحدة على دفع الأطراف السودانية للقبول بالهدنة الإنسانية، رفضت القوات المسلحة السودانية هذا المقترح، ما حال دون تخفيف التوتر ومنع التصعيد في مدينة الفاشر، وحرم المدنيين من وصول المساعدات الإنسانية في وقت كانت البلاد فيه بأمسّ الحاجة إليها.

وفي هذا السياق شدّد المندوب الدائم لدولة لإمارات لدى الأمم المتحدة في جنيف على أن الدولة تدعم كل الدعوات لوقف فوري وشامل لإطلاق النار، ودعا طرفَي النزاع إلى الالتزام بمسؤولياتهما القانونية والإنسانية، ووضع مصلحة الشعب السوداني فوق أي اعتبار.

وأكد المندوب الدائم أن الإمارات ستواصل العملَ مع شركائها الإقليميين والدوليين، بما في ذلك «الرباعية الدولية»، على إطلاق عملية انتقالية تؤدي إلى تشكيل حكومة مدنية مستقلة لا تخضع لسيطرة أطراف النزاع، مشدِّداً أن ما يشهده السودان اليوم دليل واضح على أنه لا يوجد حل عسكري لهذه الحرب الأهلية. وانتقد محاولات بعض الأطراف السودانية، خصوصاً سلطة بورسودان، لتصدير الاتهامات نحو دول أخرى، مؤكداً أن الحقائق وتقارير الأمم المتحدة تُثبت أن طرفي النزاع ارتكبا انتهاكات خطيرة، وأن استخدام الأكاذيب هدفه تغطية الفشل السياسي والعسكري.

وتؤكد الإمارات أن دورها في السودان يأتي من منطلق التزام أخلاقي وسياسي بحماية المدنيين، ولصلات تربطها بالسودان الشقيق، وبغية ضمان وصول المساعدات الإنسانية، ودعم جهود المحاسبة على الانتهاكات الجسيمة. كما شدّدت معالي لانا زكي نسيبة، وزيرة دولة، على ضرورة حماية المدنيين ورفع العوائق أمام وصول المساعدات، مشيرةً إلى أن المساءلة عنصر أساسي لتحقيق سلام دائم.

ويرى الخبراء والمحللون أن التحرك الإماراتي في السودان يمثّل مقاربة شاملة تتجاوز الدعم السياسي لتصل إلى إدارة المخاطر الإقليمية، خاصة في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي. وتُشكِّل هذه الرؤية جزءاً من مفهوم «الاستقرار الوظيفي» الذي تتبنّاه الإمارات، وهو مفهوم يعتمد على معالجة جذور الأزمة. وتتحرك الإمارات ضمن نهج دبلوماسي يقوم على الحوار والشراكات المتعددة ورفض الإقصاء، مع الحفاظ على مسافات متوازنة من الأطراف السودانية.

وفي هذا الإطار، أوضح المحللون أن الإمارات لا تسعى لفرض حلول جاهزة، بل تعمل على خلق بيئة تفاوضية تتيح إعادةَ بناء الثقة بين الأطراف، إلى جانب لعبها دوراً مهماً في منع توسّع النزاع واحتواء موجات النزوح عبر دعمها للعمليات الإنسانية. كما أثبتت الإماراتُ التزامَها بالقانون الدولي وتعاملت مع الاتهامات السياسية الموجَّهة إليها بهدوء وشفافية، في مقابل ما اعتبره الخبراء محاولات من بعض الجهات السودانية لتحويل مسار الأزمة عبر حملات تضليل إعلامي.

وفي ظل التطورات الخطيرة التي شهدتها مدينة الفاشر، خلال الأسابيع الماضية، والتي أدت إلى موجة نزوح جديدة تُضاف إلى سلسلة الأزمات التي أفرزها الصراع الدائر في البلاد منذ أكثر من عامين ونصف عام، وهو ما أثّر بشكل كبير على حياة ملايين السودانيين. وختاماً، تُبرز الجهود الإماراتية نهجاً واقعياً ومسؤولاً يقوم على أن السودان لا يمكن أن يستعيد استقرارَه إلا بحل سياسي شامل، يقوده السودانيون بدعم إقليمي ودولي صادق، ويضع مصلحةَ البلاد فوق أي حسابات عسكرية أو فئوية.

ولا يقيم حساباً، لادعاءات ميليشيات «الإخوان المسلمين» الذين أفلسوا سياسياً ودينياً، ويحاولون إعادة إنتاج أنفسهم مجدداً، بعد أن فقدوا مواقعهم في المجتمعين العربي والدولي، إثر فشلهم الذريع، وبصورتهم الباهتة غير المرغوبة، بما أفسدوه في مصر وليبيا وتونس والجزائر واليمن والصومال وغزة والعراق.. وفي السودان نفسه!

*سفير سابق



إقرأ المزيد