يوم يشبه وجه الأم
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

- لو أن صوتاً هو الهمس وهو الدفء تسلّل لفراشك القطني البارد، وأيقظك من نومك، ثم غفوت ثانية، وتسلل إلى مسامعك أذان الفجر السحري وتلك القشعريرة التي يبعثها ذلك النداء الأزلي لترعد الجسد المتثاقل بها في الصباح.
- لو أنك غسلت صبحك بدعاء يطهّر النفس ويجلو هَمّ الصدر بشيء من الطمأنينة، وكثير من الرضا.
- لو أنك وأنت تفتح ستارة غرفتك، رأيت على شباكها ندى أو حبات مطر، ظل يغافل الليل ويسقي المدينة أو عصفوراً لائذاً بظل نافذتك.
- لو أنك اصطبحت بوجه بشوش ظل يغالب كسله ونعمة النوم، وواجب أن يقول لك قبل الجميع: صباح الخير.
- لو أنك وجدت أشياءك المبعثرة دون عناء أو بحث أو نرفزة، وأن لا زر ناقصاً في صدر قميصك.
- لو أنك حين أغلقت الباب عانقتك نسمة الريح الباردة، لامست الأنف والوجه، وليتك أنت لو مكثت طويلاً وتنفّست عميقاً.
- لو أنك حين هممت بركوب سيارتك لم تجد عبث أصابع الصبيان عليها، ولا تقشير لونها اللامع، ولا ورقة بيضاء صغيرة تستقر على زجاجها الأمامي، ولا إعلانات وهمية لأصابع ذهبية للتمسيد.
- لو أنك، حين سرت في الشوارع تقصد عملك، وجدتها سهلة منسابة، لا ضجيج بوق سيارة الأجرة، ولا دخان ذاك الباص العجوز، ولا تجاوز ذاك الصغير الأرعن بسيارته ذات الدفع الرباعي، ولا سائق قليل الذوق يصرّ على مزاحمة السيارات الواقفة في صفّها، داخلاً بقرون سيارته، شاقاً نظامها، لأنه لا يحب الانتظار.
- لو أنك لمحت صبيّة في عقدها الثاني، تتأبط كتباً تثقل يدها، فرحة الأنوثة، وغيوم السماء التي تظلل شعرها، والأشياء التي تضحكها، تسبقها إلى باب الصف الجامعي.
- لو أنك حين دخلت مقرّ عملك، تسرّب إلى أنفك عطر تاه في الطرقة الصغيرة، منسياً لوحده.
- لو أنك لم تلحظ ذلك التوتر والتوجس والحيرة وطول الدقائق في عيون ركّاب المصعد.
- لو أنك وجدت مديرك ذلك اليوم هاشاً باشاً، تناول إفطاره والزوجة راضية عنه، خرج من بيته بعد أن صلى على النبي، قاصداً العمل والجميع أخوته وأبناؤه.
- لو أن يومك سار سلساً بلا وجه مراجع غاضب، ولا شكوى موظف لا يعرف إلا الشكوى، ولا سمعت ما جرى لزميل غائب، ولم تفتقد، في يومك ذاك، طلّة جميلة تفرح الصباح وهي لا تدري بكل هذا الثقل والطيبة المنزاحة عليك.
- لو أن ختام يومك كان حلواً مثل بدايته، وحسبت ميزان اليوم، فكانت كفّة الخير راجحة، وكانت كفّة الحب سابقة، وكانت كفّة التسامح حاضرة.
- لو أنك.. فقط، تتصور أن مثل هذه الأشياء قد تحدث في يومك، وتجعلك بخفة الطير المهاجر، أو السحاب السائر.
- لو أنك، وقبل أن تنهمك في عملك، تذكّرت صوت أمّك، وهمست في أذنها أن صباح اليوم الجميل لا يبدأ إلا بها ومعها.. وأنه يشبه وجهها.



إقرأ المزيد