إنكار.. القبول!
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

في بعض المساحات الصغيرة، يتّسع الأفق بشكل لا محدود، فيما يضيق العالم خارجها بشكل لا يُحتمل. هذه المفارقة المدهشة تنطبق تماماً على «غرف التعافي» التي يلجأ إليها المنهكون من إنكار العالم وضجيجه المزيف. من هذا التناقض بين الخوف من الانكشاف والرغبة في النجاة، ولدت فكرة غرف التعافي، تلك الفكرة العبقرية التي وجدت طريقها إلى عالمنا في النصف الأول من القرن الماضي، وبدأت مع مجموعات مدمني الكحول، ثم إلى مدمني المخدرات، وأصبحت فيما بعد منارة لحركات التعافي الجماعي، بوصفها فعلاً مضاداً لثقافة الإنكار، لأنها تؤسّس مساحة يجرؤ فيها الأفراد على الاعتراف بما تنكره الثقافة العامة.
فالإنكار، هو اتفاق ضمني على التظاهر بالقوة. وغالباً ما ينشأ من ترسخ الشعور بالخوف من «الوصمة». فالمجتمعات التي تصر على حماية صورتها بأي وجه من الوجوه، تُعد فكرة «الاعتراف» غير مقبولة إطلاقاً لكونها مرتبطة بالذنب والعجز والفضيحة. ورغم الاعتقاد الراسخ بهذا الاختزال الظالم لفكرة «الاعتراف» بكونه يحمي الصورة المجتمعية، فإنه في حقيقته يكسر صورة الفرد الذي يبحث عن التعافي أمام نفسه، بسبب الصراع الذي يعيشه، بين حاجته للاعتراف بضعفه، وبين الضغوط المجتمعية التي تحيطه وتلزمه بالحفاظ واجهة مثالية له ولمجتمعه.
تمكّنت غرف التعافي من إدارة الصراع الذي يواجهه المتعافون بسكون، بين وجع الإنكار الخارجي، وراحة الاعتراف والبوح والقبول مع المتشابهين، في بيئة محمية من النبذ أو الإدانة. بيئة يجد فيها الفرد قبولاً غير مشروط، يسمع فيها قصصاً مشابهة لقصته، وتجارب تعافي قابلة للتحقق تنعش الأمل فيه.
تنتشر غرف مجموعات «مدمني المخدرات المجهولين» في أكثر من 140 دولة، وتُعقد يومياً عشرات الآلاف من الاجتماعات بلغات مختلفة. لا يوجد قائد ولا طبيب، فقط مجتمع إنساني صغير يواجه قوة الإنكار الخارجي بقوة الاعتراف بالضعف، ويقدم الدعم المشترك وفضيلة الإصغاء لأعضائه. وذلك في وقت وصلت فيه معدلات تعاطي المخدرات إلى مستويات تاريخية، مقابل فجوة كبيرة في خدمات الوقاية والعلاج. ورغم ذلك مازال البعض يعاني من مجتمعات ترغب في أن يبقى السطح ساكناً، حتى لو كان كل شيء في الداخل.. يتداعى بصمت.



إقرأ المزيد