في مرثية رجل شريف -2-
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

«ييه دوستي» كانت واحدة من الأغاني التي تهز الصدر في فيلم «شعله»، حينما كان يغنيها الصديقان «دهرميندرا وأمبيتابشان» على دراجة نارية تشبه دراجات الجيش النازي في عهد «هتلر»، هذه الأغنية حينما أسمعها الآن تنساب ذكريات جميلة في سينما «المارية» المفتوحة السقف، وتذكرة بربع دينار بحريني، وطلبة القسم الداخلي يهربون قاطعين شبك المدرسة العسكرية الداخلية في معسكر «آل نهيان»، قاطعين تلك المسافة بين كثبان رملية وطرقات غير معبدة، ولا واضحة المعالم، مخترقين «بارهوز» إلى شارع الجوازات إلى شارع المرور إلى شارع «إليكترا» حتى يستقر بهم المطاف بين سينما الخضراء المسقوفة، وسينما المارية المفتوحة، مقندين الرأس بـ «كوب شاي حليب، وخبزتين براتا وصحن بيض مع طماط»، ليعيشوا بعدها مع فيلم «شعلة» الذي شاهدوه عشرات المرات، ولا يملون منه، ويفرحون به مثل أي شيء جديد، ويظلون بعدها يتعاركون بشأن أبطال السينما الهندية الذين يتقلدون بأسمائهم، وقبل فترة عرضت إحدى القنوات الهندية «الذكية» لقاء النجوم في السحب، حيث يختلط فيه حنين الأبيض والأسود في الزمن الجميل مع الملون في العصر الجديد، عندما استضافت ألمع نجمين في سينما «بوليوود» في عصرها الذهبي؛ الممثل الأسطورة «دهرميندرا» ورفيقته التي كانت تشكل معه ثنائياً محبوباً الفنانة الجميلة «آشا بارك»، جاء صوت الثنائي الشاب والراقص من خلال أغنية «كي كهتا هيه يه..» في فيلم «آب كي تلاش»، ولعل الذاكرة لا تخون، ثم ظهرا فجأة في عمرهما الجديد، «دهرميندرا 84 عاماً»، بحركة ثقيلة وهو الملاكم، وممثل أفلام «الأكشن»، و«آشا بارك 77 عاماً» بشعرها الأبيض، وكأنها أنديرا غاندي في آخر عمرها، يتعكزان على بعضهما البعض، وجلسا بصعوبة ثقل الزمن، وغنيا الأغنية نفسها بنفس الأحاسيس والمتعة السينمائية، وحدها الوجوه كانت تنعى وقتها، فلم أمنع دمعة صادقة انهمرت من العين، وقشعريرة سرت في الجسد مثل طعنة خنجر بارد غير ثلم.. ما أقسى الوقت! هذا الذي لا يرحم.
بالأمس.. تداعت كل تلك الأشياء التي تخص هذا الرجل الشريف في وداعه، متذكراً كل لقاءاته الممتعة، بطابعه المرح، حتى ذكرت له مرة أن مسقط رأسه في قرية «Nasr ali» على اسمي، وبقي يرددها في تلك الجلسة ضاحكاً، فقلت له: تذكرني كلما تذكرت قريتك.
صعب بعض الرجال الشرفاء لا تبكيهم العين.. و«دهرميندرا» الذي كان يلقب بـ «الرجل الأصيل في بوليوود» واحد من هؤلاء الذين لوّنوا الحياة، وعلمونا منذ الصغر الكثير من القيم والمعاني الرجولية، لروحه السكينة والهدوء الأبدي، ولعائلته الصبر والسلوان.



إقرأ المزيد