جريدة الإتحاد - 12/5/2025 11:31:22 PM - GMT (+4 )
تواجه الدول العربية في تعاملها مع إسرائيل الكثير من المقاربات غير الواضحة، وهو ما يدفع بعدم قراءة إسرائيل في الوقت الراهن من منظور واقعي ومحكم ومنضبط، وليس من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية سواء قنوات أو كتابات أو تحليلات تعكس ما يجري من تقلبات سياسية واستراتيجية ونزعة عسكرية متعالية والإدارة بالتدخلات العسكرية والسعي لإثبات قوة إسرائيل في محيطها الإقليمي والعربي، ولعل ما جري بعد 7 أكتوبر يشير إلى هذا الأمر بوضوح.
والإشكالية الراهنة تتعلق بكيفية قراءة إسرائيل من المنظور العربي، وكيف نتعامل مع واقع ومستقبل الدولة التي لم تستكمل بعد الـ100 عام، وتسعى إلى أن تبقى دولة معترف بها في الإقليم، وأن تتحول إلى دولة مقبولة وليست منبوذة برغم تزايد النزعة العسكرية المدمرة بعد 7 أكتوبر، وفي ظل مخاوف تدفعها إلى تبني مزيد من الإجراءات والتدابير بدعم غربي عامة وخاصة أميركي.
والإشكالية الأخرى مرتبطة باستمرار المواجهات مع دول جوارها، وإن كانت تتخوف من دخولها حرب نظامية حقيقية، وليس من خلال طلعات الجو والحرب من أعلى كما جرى مع الحالة الإيرانية، وبرغم أن إسرائيل لا تزال تستخدم القوة العسكرية المفرطة فإنها مازالت تواجه خيارات صعبة ومعقدة في الإقليم.
حديث إسرائيل لا يزال قائماً عن تهديدات غير منظورة، واحتمالات نشوء مخاطر مختلفة، ولهذا تحاول توظيف إمكانياتها العسكرية في دفع كل الأطراف المهدد للتعامل أو المجابهة ومن خلال الجيش وهيئة الأركان، ومراكز التأثير أمنياً ودينياً، والتي ترى أن إسرائيل عاجزة عن امتلاك البديل السياسي، وليس لديها رؤية سياسية حقيقية للتعامل، وأن ما يجري في المحيط الإسرائيلي أمر مؤقت ومرحلي، ويمر بمرحلة انتقالية قد تطول في ظل مخاوف حقيقية من السيناريو المقبل الذي لا تعرفه إسرائيل، وتتخوف من تبعاته في الفترة المقلبة ولا تملك سوى خيار القوة وتوظيفه في التعامل، وهو أمر لا يمكن أن يستمر في المدى الطويل.
الجيش الإسرائيلي لا يمكن أن يحارب علي طول الخط نتيجة لعدم وجود مقاربة سياسية في التعامل، وأن ما يجري يتم فقط من خلال حلول جزئية وهدن مؤقتة، وأن الحل الأخير أو الحسم غير قائم ولا تملكه إسرائيل لاعتبارات متعلقة بعدم وجود قادة سياسيين قادرين علي مخاطبة الجمهور الإسرائيلي الذي يتابع وراقب، ولا يملك إلا أن يتظاهر، ولا تزال الحلول غير واقعية، ولا تمت للواقع العسكري بشيء وهو ما يزعج قيادات المؤسسة الدينية، والتي تدير الدولة من وراء ستار حديدي. ولعل ما يجري في أوساط الجيش الإسرائيلي، ورئاسة الأركان وتحفظ الجنرالات وكبار القادة في إسرائيل ما يؤكد أن إسرائيل لن تعرف استقراراً سياسياً أو أمنياً لجيش ينفّذ تعليمات المستوى السياسي العاجز، والفاشل ولكن -ولاعتبارات عدة- تبقي الحكومة ويستمر نتنياهو الذي طلب العفو رسمياً، وتبقي الدولة قائمة وموجودة في نطاقها الاستراتيجي، الأمر الذي يجب أن يظل أولوية –وفقاً للفهم الإسرائيلي- بصرف النظر عما يجري من إنجازات واهمة، وكما يصورها قادة الأحزاب الذين ينقلون صورة مغايرة وغير صحيحة، ويدفع إلى إبراز صورة دولة منتصرة، وهي في الأصل تواجه خيارات صفرية، ولا تملك سوى خيارات محدودة.
في هذا السياق تحاول إسرائيل أن تقنع العالم -ونحن جزء منه- بأن إسرائيل المأزومة داخلياً هي إسرائيل التي تريد شرق أوسط جديد، وأنها تسعي إلى تحقيق إسرائيل الكبرى، وأنها توظّف قوتها في إنجاز عسكري كبير وغيرها من السرديات الخائبة التي تسوقها إسرائيل للعالم العربي.
إسرائيل تحتاج إلى سياسيين يحظون بدعم ومساندة الجمهور الإسرائيلي، ينقلون الدولة إلى مساحات من الخيارات المتسعة بدلاً من الحياة فقط في دوائر «حزب الله» و«حماس» وإيران والمخاطر الكونية والإقليمية كما يطرحها الهامشيون في إسرائيل من ساسة سذج وخبراء مدعين، أما الأكاديميون الكبار فإنهم يراقبون ويكتبون ويحذرون وان كان تأثيرهم في حدود ولعل هذا ما يعبّر عنه خبراء كبار في مركز بيجين السادات وفي مركز الأمن القومي وهرتسليا وغيرها، وهؤلاء يكتبون، ويحذرون من مصير إسرائيل في الإقليم وأن الدولة تواجه مجهولاً حقيقياً.
وما تصدره إسرائيل لنا إعلامياً وسياسياً ليس صحيحاً، وإسرائيل الأخرى اليائسة، والتي لا تملك سوى القوة هي الحاضرة في ظل مراجعات تتم عبر مجموعات عمل كبرى لشخصيات يهودية في إسرائيل، وبعض المراكز الإسرائيلية داخل الولايات المتحدة تتحرك في الوقت الراهن وتعمل في صمت، وفي دوائر غير مرئية لإعداد مشروع صهيوني جديد، وبناء نظرية أمن قومي جديدة، وإعداد سلسلة قوانين تحدد بوصلة الدولة في الفترة المقبلة، لرسم التوجه، الذي يتم في طي الكتمان كخطوة في مسارات متعددة أخرى لإنقاذ إسرائيل من إخفاقها الراهن.
* أكاديمي متخصّص في الشؤون الاستراتيجية.
إقرأ المزيد


