العالم يسأل.. لماذا الرياض؟
أيلاف -

إيلاف من الرياض: في خطوة تشكل نقطة تحول مذهلة في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا عقب المكالمة الهاتفية الأسبوع الماضي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، احتضنت السعودية الثلاثاء اجتماعا على مستوى وزيري خارجية البلدين يهدف إلى إصلاح العلاقات المتوترة بين واشنطن وموسكو.

وكذلك التباحث بشأن سبل وقف الحرب في أوكرانيا، ومن خلال استضافتها لهذا الاجتماع غير المسبوق، تجد المملكة نفسها في قلب نشاط دبلوماسي عالمي يعزز مكانتها ويمنحها زخما سياسياً ودبلوماسية قويا، فلماذا الرياض؟

بعد ثلاث سنوات من تجميد شبه كامل للعلاقات بين البلدين جراء الغزو الروسي لأوكرانيا، عقدت الولايات المتحدة وروسيا الثلاثاء اجتماعا في العاصمة السعودية الرياض من أجل بحث سبل وقف الحرب التي شنتها موسكو في 24 شباط (فبراير) 2022 وإصلاح العلاقات الثنائية المتوترة. اللقاء الذي عقد على مستوى وزيري الخارجية، غابت عنه أطراف أساسية معنية مثل كييف ودول الاتحاد الأوروبي.

ولكن.. لماذا السعودية؟
استفادت الرياض من التزامها "الحياد الذكي" إزاء الحرب الروسية في أوكرانيا المتواصلة منذ نحو ثلاث سنوات. ووفقا لمراقبين، فإن المملكة حققت نجاحا كبيرا باستطاعتها جمع قوتين عظيمتين في الرياض لتسوية خلافاتهما وحل نزاع طويل الأمد، وأكدت قوتها الناعمة.

تعد السعودية حليفا تاريخيا للولايات المتحدة في المنطقة، كما أنها على تفاهم وثيق مع روسيا فيما يتصل بالسياسة النفطية، خاصة وأنها أكبر مصدر للنفط الخام في العالم.

ومنذ هاجمت روسيا جارتها في شباط (فبراير) 2022، قدمت الرياض نفسها كوسيط محتمل، فيما احتفظت في الوقت نفسه بعلاقة وثيقة مع كييف واستقبلت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكثر من مرة حضر خلال إحداها قمة الجامعة العربية في جدة في أيار (مايو) 2023. كما التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حزيران (يونيو) الماضي، وفقاً لتقرير "فرانس 24".

عقب انتهاء اجتماع الرياض، أعلن فولوديمير زيلينسكي تأجيل زيارته إلى السعودية التي كانت مقررة الأربعاء، بعدما ندد بالمحادثات الروسية الأمريكية. وقال زيلينسكي من تركيا: "نحن صادقون ومنفتحون، ولا أريد أي مصادفات. ولهذا السبب لن أذهب إلى السعودية". وأضاف أنه اتفق مع السلطات السعودية على تأجيل زيارته إلى "10 آذار (مارس) المقبل".

السعودية وسيطاً وليست مستضيف فقط
تفسيرا لبعض أسباب اختيار السعودية لإجراء المفاوضات وعقد القمة المرتقبة، يرى الباحث والمفكر السعودي في الدراسات الاستراتيجية والعلوم السياسية والعسكرية محمد صالح الحربي أن السعودية أضحت دولة محورية مركزية للقاءات الأقطاب والفرقاء، ما يعزز دورها للعب دور الوسيط لبلوغ الحلول وليس المستضيف فقط.

من جانب آخر، يشير الحربي، إلى علاقة الأمير محمد بن سلمان مع كل من فلاديمير بوتين ودونالد ترامب باعتباره "شخصية تتجاوز الجانب السياسي الدبلوماسي"، أضف إلى ذلك "علاقة المملكة مع ضفتي الأطلسي من جهة ومع الشرق والغرب من جهة أخرى، وهو ما يجعلها محط توازن بين البوصلتين ومحط ثقة لدى مختلف الأطراف".

ما ذهب إليه الحربي، يؤكده الدبلوماسي الروسي السابق، السفير ألكسندر زاسبكين، إذ يقول إن اختيار المملكة لإجراء المفاوضات "كان بسبب دورها المهم على الساحة الدولية وسياستها المتوازنة إزاء عدد من القضايا والملفات، بما في ذلك النزاع الأوكراني"، موضحا أن "الموافقة السريعة للقيادة السعودية على استضافة المفاوضات واحتضان القمة بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين يؤكد وعي المملكة بأهمية دورها للمساهمة في تهدئة الأجواء بين موسكو وواشنطن والعمل على وقف الحرب في أوكرانيا".

السعودية لها دور مهم في التسوية 
حسب الدبلوماسي الأوكراني السابق فولوديمير شوماكوف، فقد لعبت السعودية دورا مهما في مسار تسوية النزاع بأوكرانيا، "بل إنها كانت وسيطا في المفاوضات تقريبا قبل ثلاث سنوات، كما يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الرئيس زيلينسكي زار السعودية في آب (أغسطس) 2023، وناقش مع الأمير محمد بن سلمان سبل تسوية النزاع" مضيفا أن "الرياض بذلت جهودا مضنية لإنجاح عملية تبادل الأسرى وقدمت مساعدات إنسانية لأوكرانيا".

علاوة على هذا، "فالمملكة أثبتت أنها عازمة على المساهمة في تسوية النزاع أو التوسط من أجل ذلك على الأقل." حسب المتحدث.

في المقابل، يؤكد شوماكوف أن بلاده تفاجأت بإقصاء ترامب لأوكرانيا من المفاوضات حين أعلن عنها في البداية، موضحا "رغم محاولة البعض طمأنة كييف من خلال إعلانه أن وفدا أمريكيا سيزور كييف لأخذ وجهة نظرها، فالأمر لا يزال غامضا، لكن الأكيد هو كون ما جرى يعد مؤلما ومقلقا لأوكرانيا".

ويضيف المتحدث أن "زيلينسكي كان واضحا حين أكد أن بلاده لن تقبل بنتائج هذه المفاوضات الجارية، وهو أمر في نظري منطقي ومفهوم، فحضورنا مهم ولا حول عنه".

فرصة لموسكو
بينما صورت إدارة ترامب اجتماع الثلاثاء باعتباره خطوة أولى في محادثات سلام أوسع، وصف المسؤولون الروس المحادثات بأنها فرصة لإنهاء فترة من العزلة الاقتصادية والسياسية لموسكو وعكس تجميد دبلوماسي مع القوة النووية الأخرى في العالم.

حسب السفير الروسي السابق ألكسندر زاسبكين فإن محادثات البلدين حول كثير من القضايا، بما فيها الوضع في الشرق الأوسط، سيصب لمصلحة دول المنطقة وشعوبها ويعزز الأمن والاستقرار.

زاسبكين أشار إلى أن تنسيق روسيا والسعودية يغطي مجالات سياسية واقتصادية مهمة، خاصة قطاع الطاقة والقضية الفلسطينية وتسوية النزاع العربي الإسرائيلي بشكل عام.

من جهة أخرى، قال المتحدث إنه من السابق لأوانه التكهن بنتائج المفاوضات الروسية الأمريكية، ولكنه استدرك موضحا "يبدو جليا أن الجانبين يسعيان إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما وإيجاد القواسم المشتركة بخصوص القضايا الدولية الأساسية بغية تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة الأوروأطلسية خاصة، إلى جانب مواكبة التحول الإيجابي للأوضاع في العالم، وأيضا الانتقال من مرحلة المواجهات والصدامات إلى رؤية قائمة على تحقيق التنمية والازدهار عبر التعاون والحوار".

 



إقرأ المزيد