النباتات في الخليج.. ثروة ثقافية واقتصادية لدعم الاستدامة
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

تعد النباتات جزءاً أساسياً من البيئة الطبيعية، وذلك لدورها الحيوي في الحفاظ على توازن النظم البيئية، ولكونها تمثل قاعدة الهرم الغذائي، حيث تقوم بعملية التمثيل الضوئي، محولة الطاقة الشمسية إلى طاقة كيميائية مخزَّنةً في الكربوهيدرات، وهي عملية تساهم في إنتاج الأكسجين، وبالتالي تعد ضروريةً لبقاء معظم أشكال الحياة على الأرض. وفي منطقة الخليج العربي، تلعب النباتات دوراً مركزياً في الحياة اليومية للسكان، وفي النظم الاقتصادية المحلية. ورغم الظروف المناخية وما يطبعها من ندرة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، فإن منطقة الخليج تمثل موطناً للعديد من النباتات الصحراوية والنباتات الساحلية، مثل أشجار المانجروف التي تجسد مثالاً حياً على النباتات التي استطاعت التكيف والبقاء والازدهار في هذه البيئة.

وفي كتابها «النباتات في الخليج»، تتطرق لمياء السعيد إلى جوانب مختلفة من النباتات والبيئة النباتية في منطقة الخليج، حيث تتناول البيئة المناخية في الخليج، والتنوع النباتي في الخليج، والتكيفات النباتية في البيئة الخليجية، والأهمية الاقتصادية للنباتات في الخليج، وما تمثله التحديات البيئية من تهديد للنباتات، والجهود المبذولة للحفاظ على النباتات في الخليج، وأخيراً أهمية الابتكارات والرؤى المستقبلية في دراسة النباتات.

وعلى امتداد الفصول الثمانية التي تشكل معمار الكتاب، تؤكد المؤلفة على أهمية النباتات في الخليج كجزء أساسي من النسيج البيئي والاقتصادي والاجتماعي للمنطقة، إذ تساهم في تحسين جودة الحياة للسكان من خلال توفير الموارد الطبيعية، ودعم الاقتصاد، والحفاظ على التراث الثقافي، ومكافحة التحديات البيئية مثل التصحر والتغير المناخي، لذلك تعد المحافظة على النباتات، وتعزيز دورها من الأولويات الرئيسية لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة. ولهذا أيضاً تخصص المؤلفة حيزاً كبيراً من كتابها لتناول البيئة المناخية في الخليج، موضحةً أن طبيعة المناخ في هذه المنطقة، بما يطبعه من حرارة عالية، وقحولة في التربة، وندرة في الأمطار، يفرض تحديات كبيرة على النباتات التي تنمو في البيئة الخليجية. وهذا ما يتطلب من النباتات تكيفات خاصة لكي تبقى على قيد الحياة.

وعلى سبيل المثال، فإن درجات الحرارة العالية في منطقة الخليج تزيد من معدلات تبخر الماء من سطح التربة، مما يقل توافر المياه للنباتات. كما يؤدي إجهاد الحرارة إلى تلف الأنسجة النباتية، وانخفاض النشاط الأيضي، علاوةً على الإجهاد الضوئي للنباتات، وما يشكله من إعاقة لعملية التمثيل الضوئي، حيث تقل قدرة هذه النباتات على إنتاج الغذاء والطاقة.

وكما يوضح الكتاب، فإن النباتات تلجأ إلى محاولة التكيف مع درجات الحرارة العالية، وذلك من خلال بعض العمليات الحيوية والفيزيائية، مثل تكوين أنسجة سميكة لتخزين المياه بغية استخدامها خلال فترات الجفاف. كما تلجأ النباتات إلى تقليل فقدان الماء من خلال إنبات أوراق مغلفة بالشمع أو مغطات بالشَّعر، أو حتى تقليل وتصغير الأوراق والتخلص منها خلال الفترات الحارة. ومن الحيل التكيفية لدى النباتات في منطقة الخليج الاعتماد على «نظام جذري عميق وواسع»، حيث تطور بعض النباتات جذوراً عميقة تصل إلى المياه الجوفية، الأمر الذي يمكنها من الحصول على الماء حتى في فترات الجفاف. كما تنشر بعضُ النباتات جذورَها على نطاق واسع بالقرب من سطح التربة لامتصاص أي ماء يتاح لها. وفيا يخص الموارد المائية وكيفية تأثيرها على الغطاء النباتي، توضح المؤلفة أن الموارد المائية الوفيرة نادرة نسبياً في منطقة الخليج، نظراً لطبيعة المناخ والجفاف وشح الأمطار. ومع ذلك توجد بعض المناطق التي تتمتع بموارد مائية أفضل نسبياً بالقياس إلى بقية المنطقة، مما يساهم في دعم تنوع وكثافة الغطاء النباتي. وهذه المناطق تشمل الواحات والأودية والمناطق الساحلية والمناطق التي تعتمد على المياه الجوفية. ولذلك السبب تتميز منطقة الخليج بتنوع نباتي فريد يتكيف مع الظروف البيئية القاسية، مثل الحرارة والجفاف وملوحة التربة والمياه. وعلى الرغم من هذه الظروف، تمكنت النباتات في الخليج من التطور والتكيف لتوفير بيئة صالحة للعيش، وتقديم فوائد بيئية واقتصادية وثقافية. ويذكر الكتابُ، بتفصيل وتوسع، ثلاثةَ أنواع من النباتات في الخليج؛ أولها النباتات الصحراوية، ومن أشهرها شجرة الغاف التي تنتشر في بعض أنحاء شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك الإمارات والسعودية وعُمان وقطر. وهي نبات ينمو في التربة الرملية القاحلة، ويتسم بقدرته على تحمل فترات الجفاف الطويلة ودرجات الحرارة العالية بفضل جذوره العميقة التي تصل إلى المياه الجوفية. ومن النباتات الصحراوية أيضاً السدر والنخيل والطلح والأثل والحرمل والخبيز.. وكلها نباتات تتميز بقدرتها على التكيف مع البيئة الصحراوية القاسية، بما في ذلك الجفاف والحرارة والقحولة. وثاني أنواع النباتات في منطقة الخليج هو النباتات الساحلية، وأشهرها المانجروف الذي يتميز بقدرته على الظروف البيئية القاسية، مثل المياه المالحة ودرجات الحرارة العالية، والتغيرات في مستوى المد والجزر.

وضمن فئة النباتات الساحلية في الخليج، يوجد نبات الساليكورنيا، ونبات السوس، ونبات الحلفاء، ونبات القرم، ونبات الأرطي. وتلعب النباتات الساحلية في الخليج دوراً مهماً في تثبيت التربة وحماية الشواطئ، وتوفير موائل للحياة البرية، كما تقدم فوائد اقتصادية وصحية متعددة. وأخيراً هناك النباتات النادرة أو المهددة بالانقراض، مثل خنشار البحار، والنخيل القزم، والبسباس الصحراوي، والرمث، والسبط، والسدر البري، والأرطي.. إلخ، وهي نباتات تواجه تهديدات متعددة، وبالتالي فهي بحاجة إلى حماية خاصة، نظراً لأهميتها البيئية والتاريخية. لذلك تؤكد المؤلفة في مواضع مختلفة من كتابتها على أهمية التنوع النباتي في منطقة الخليج، وكونه يمثل ثروة طبيعية ذات أهمية بيئية واقتصادية وثقافية، ومن ثم يتوجب وضع استراتيجيات فعالة لحماية هذا التنوع والحفاظ عليه، بما يضمن استدامة النظم البيئية، وتحقيق فوائد متعددة للأجيال القادمة.

محمد المنى

الكتاب: النباتات في الخليج

المؤلفة: لمياء السعيد

الناشر: أواصر للنشر والتوزيع تاريخ النشر: 2024



إقرأ المزيد